هل سيسدل ستار المفاوضات عقب ذهاب ( علي عثمان ) لأبوجا
بقلم: عبدالفتاح محمد إبراهيم عثمان
abdelfattah_m@hotmail.com
هذا التساؤل ـ يحتمل ثمة أجوبة ، بعضها يصيب بالتفاؤل ، والبعض الآخر منها يصيب بالإحباط والتيئيس ،ولعله ( التساؤل ) مشروع لطالما هو أمل الكثيرين وتتطلع المحبين للسلام ، وإجابته ( ذات الإحتمالين ) هي كذلك في غاية من المشروعية تقديراً للظرف التأريخي الدقيق الذي تمر به بلادنا في أسفارها السياسية منها والإقتصادية والإجتماعية والإنمائية وغيرها ، وتكمن مشروعية الإجابة أيضاً في إستقراء ما تؤول إليه الأوضاع في ظل المخاض العسير والمنعطف الخطير الذي لا يخفى على أي فاطن أو ذو بصيرة مدرك لحقيقتها ـ الأوضاع ـ ومتفهم لإرهاصاتها ومآلاتها
أشرت من قبل في عدة مقالات منها ( الوفد المفاوض للحكومة في أبوجا واللا إرادة واللا تفويض ) وقلت أن الوفد الحكومي يفتقر للإرادة السياسية لتحقيق السلام في دارفور ، ويفتقد التفويض الإداري اللازم لإختراق جمود المفاوضات ومن ثم التوصل إلى إتفاق يفضي إلى سلام ، وبرهنت لذلك بالمراوغة والمماحكة والتسويف التي دأب عليها وفد الحكومة في المفاوضات ـ فضلاً عن تهرب الحكومة ككل من دفع إستحقاقات التسوية السياسية السلمية لأزمة دارفور ، التسوية التي كان يؤمل فيها أن تحقق سلام بغية تدارك الأوضاع المستفحلة في الإقليم الملتهب حالياً غربي السودان
أضع أمامي كل تلك المؤشرات الماثلة ، ومن ثم سأبحث عن إجابة للتساؤل : ( هل سيسدل ستار المفاوضات عقب ذهاب على عثمان لأبوجا ) وأقصد من هذا السؤال أنه هل عقب ترأس ( رئاسة ) على عثمان محمد طه للوفد الحكومي المفاوض ستشهد مفاوضات أبوجا تقدم وتطور بعد الركود والركون اللذان صاحباها منذ إنطلاقتها وحتى اللحظة ؟ وستتبع هذا السؤال أسئلة أخرى ، هل يفتقد مجذوب الخليفة أحمد الخبرة والكفاءة والحنكة للوصول إلى سلام ؟ وعل غيرت ( بدلت ) الحكومة عقليتها من المماطلة إلى الجدية في بلوغ السلام ؟ وهل سيتنازل على عثمان عن / من موقعه ( نائب رئيس الجمهورية ) كضريبة للعبور إلى جسر السلام ؟ أم أن الإجابة دون ذلك جميعاً ؟ ـ أم أن زيارة على عثمان الأخيرة لبروكسل كان لها ما بعدها ؟ ومنها تصريحه الشهير والمتناقض مع تصريحات رئيسه ( عمر البشير ) في إمكانية قبول الحكومة بالقوات الأممية عقب التوصل إلى سلام في دارفور ـ هذا التصريح الذي تزامن ميقاتياً وتكوينياً مع صدور قرار مجلس الأمن والسلم الإفريقي الخاص بإبقاء قوات الإتحاد الإفريقي الموجودة في دارفور لستة أشهر أخرى مع الضغط على أطراف التفاوض للوصول لإتفاق قبل إنقضاء هذا الأجل المسمى ،( والستة أشهر هذه هي الفترة التي ـ قيل ـ أنها طلبت من قبل الأمم المتحدة لتحضير وإعداد قواتها البالغ عددها عشرين ألفاً جندي ، وما يؤكد هذا هو التقرير الإخباري الذي نشرته صحيفة الصحافة السودانية نقلاً عن الوكالات العالمية بموضوع نشر خريطة توضح نشر القوات الأممية في إقليم دارفور وخصوصاً الولايتين المأزومتين جنوب وغرب دارفور اللتان تشهدان إضطراباً في الأوضاع وتدهوراً مريعاً )
كما أن التصريح الصحفي المنسوب لـ سلفا كير ( النائب الأول لرئيس الجمهورية ) يدعم ذات الإتجاه حينما قال في تصريحه : أن الحكومة ( وكان يقصد المؤتمر الوطني ) ليست رافضة للقوات الأممية ومجيئها بإعتبار أن السودان عضواً فيها ، وإستدرك قائلاً ، لكنها تتوجس وتتخوف من هذه القوات لإحتمال مجيئها تحت البند السابع من الميثاق والذي قد / ربما يفوض لها إستخدام القوة وتنفيذ القرار رقم ( 1593 ) القاضي بإحالة المتهمين بإرتكاب الجرائم ضد الإنسانية في دارفور إلى ( لاهاي ) ، لذلك تريد الحكومة إيضاح وتبيان لمهام وإختصاص هذه القوات ومجيئها تحت أي بند ، وتحبذ البند السادس الذي لا علاقة له بكل ما ذكرت عالية ً
يجدني القارئ الكريم إسترسلت كثيراً ـ أرجو ان يلتمس لي العذر ـ ولكن كان من الضرورة القصوى بمكان ، إستعراض كل تلك المعطيات التي ترتبط إرتباطاً وثيقاً ببعضها حتى نصل لأجوبة تلك التساؤلات
فمنذ إنطلاقة جولات مفاوضات بأبوجا حتى الآن لا تزال تراوح مكانها تخللها تقدم طفيف في محاور التفاوض الثلاث ( السلطة ـ الثروة ـ الترتيبات الأمنية ) ولم يطرأ عليها تقدم ملموس يذكر إلا فيما يختص بملف الثروة الذي يعتبر أسهل من الملفين الأخروين نسبة لتقارب كثير من وجهات النظر لكلا الأطراف المتفاوضة وشركائهم في هذا الإطار من المسهلين والمراقبين ، أما الملفين الأخروين يعتبران ذوا أهمية بالغة لكلا الطرفين ، الحكومة والحركات المسلحة أو بالأحرى ( الثوار ) ، فالحركات تريد مشاركة فاعلة وحقيقية ( ليست تمومة جرتق ) في مؤسسة الرئاسة مؤسسة صنع القرار في الدولة مع الإحتفاظ بقواتها لأمد زمني ( فترة مؤقتة ) لضمان تطبيق الإتفاق التي سيوقعوا عليه وإنفاذه على أتم وجه دونما نقصان ، وفي ذلك الحركة الشعبية تعتبر خير مثال يحتذى به بالنسبة لهم ( الحركات ) ـ أما الحكومة ( المؤتمر الوطني ) تريد أن تخرج من أبوجا بأقل خسائر ( حسب ما يزعمون ) وتريد أن يبقي على أقل تقدير نسبة الـ : 50 % من النسبة البالغة 52% حسب نيفاشا ، حتى لا تسنح الفرصة لإلتئام تحالف داخل البرلمان بين قوى الهامش ( الحركة الشعبية ) ومن ثم الإنقلاب الأبيض على المؤتمر الوطني دستورياً
هذه المعادلة المحسوبة من الطرفين طيلة فترات التفاوض الماضية جعل الوصول إلى سلام فكرة مستعصية ـ إن لم تكن مستحيلة إطلاقاً ـ ، إلا أن وسطاء التفاوض ظلوا يضطلعون بأدوار مقدرة للحيلولة دون إستعصاء الفكرة ولتقريب وجهات النظر بغية التوصل إلى سلام بأعجل ما تيسر ، إلا أن مساعي الوسطاء بددتها المواقف المتصلبة والمتعنتة ، وفي خضم ذلك لم يقف الوسطاء مكتوفي الأيدي ، بل لا يزالون يواصلون دورهم المناط بهم والذي نأمل أن يكلل بالنجاح
غير أن المجتمع الدولي الذي ظل يدعم الإتحاد الإفريقي برخاء لرعاية المفاوضات ، والشركاء الذين ظلوا يستمسكوا بأبوجا كمنبر تفاوضي لتحقيق السلام في دارفور ، لم تعجبهما حركة المفاوضات ودورانها في نقطة الأصل ( حيث لا جديد منذ إلتئام المفاوضات في أول مرة ) ، بل طالما ظلوا يقدموا الدعم والرعاية إستشعروا الآن عظمة ذلك وبدؤا يلوحون بالضغوطات تارة على الحكومة وأخرى على الحركات ، ومنبهين من مغبة عدم التوصل إلى سلام بأعجل ما تيسر
جاءت تلكم الضغوطات مباشرة مثل الإعلان عن إمكانية الإضافة لقائمة الـ : ( 51 ) المحولة إلى ( لاهاي ) بمقتضى قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 1593 ) أي شخص يعرقل الوصول لإتفاق أو يكون عائق أمام التوصل لإتفاق ، أو الضغوطات غير المباشرة بالتلويح بفرض عقوبات على الأشخاص والإتيان بفرض سلام على دارفور ، وهذه الضغوطات تبين أن المجتمع الدولي غير ( بدل ) سياسة النفس الطويل التي كان يتبعها في السابق نسبة لإزدياد معدل النزوح اليومي وإختلال الوضع الإنساني المزري في أرض الواقع ـ دارفور وتمرحله من السيء للأسوأ
سيتواصل المقال ، وفينا شيء من حتى