المشهد السياسي على أعقاب قرار مجلس الأمن الدولي 1706
" مبادرة الوفاق الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية "
· قد لا تخالجني ثمة شكٍ إذا قلتُ ، أنَّ القارئ ـ أيُّما قارئ ـ إذا أراد أن يجري إستقراءً للمشهد السياسي السوداني على ضوء قرار مجلس الأمن الدولي الأخير ، حتماً سيُصاب بهستريا البحث والتمحيص والتفحيص لريثما يحدد المعطيات التي بدورها تفضي إلى تبلور القراءة السليمة والصحيحة للواقع السياسي ، ولا أُخال أنَّ تحديد القارئ للمعطيات يتم بسهولة ويُسر، لأنَّ القرائن التي يُفترض أن يسير على هديها القارئ فهي لا تبعث التفاؤل ، ولكن ، على كلّ ، تظل بوصلة الخارطة السياسية مفقودة حتى خلو الساحة من التناقضات والمتناقضات التي تكتظ بها ، ومع هذا ، لست يائساً أو مستيئساً من محاولة تسليط الضوء أو إلقاء بصيصاً منه على المشهد السياسي وإتجاهاته وما يطرأ عليه من مستجد أو ما سيؤول إليه من مآل !! ومن الصعوبة بمكان إستعراض جميع الدلالات والشواهد والمؤشرات المكونة للمشهد ، ولكن ، سأدلف إلى بعضٍ منها ، عسى أن أجد توصيفاً حقيقياً لها .
· ( فالوطن ) الآن معرَّض للتفتيت والتشظي والإنقسام ، وهذا بفعل المؤامرات التي ظلت تحاك ضد السودان من قوى البطش والقهر وصِلف الإستكبار والجبروت العالمي ، ولا إستتثناء هنا " لبعض " ضعاف النفوس من أبناء الوطن ، ويتصدر هؤلاء ( المؤتمر الوطني ) الذي عمد مراراً وتكراراً إلى إزكاء روح القبلية والجهوية وإنتفاء القومية وطمس الوطنية ، و( المؤتمر الوطني ) يحظوا بأعلى بورصة في أسهم المشاركة في تفتيت وحدة البلاد ، وبما لا يدع مجالاً للشكِ أو المساورة أنَّ وحدة البلاد الآن في خطرٍ عظيم ومحدق ، لم يشهد السودان من قبل مثيلاً من ذي قبل لهذا الخطر !! .
· و( الوطن ) الآن مهدد بأن يكون تحت ( الوصاية ) الأجنبية ، وهذا أيضاً بفعل تراكم المراوغات والمماحكات والمماطلات التي إعتاد عليها " المؤتمر الوطني " في التعاطي والتعامل مع القضايا الداخلية وسوء إدارته للأزمات التي باتت تطل برأسها حيناً وآخر ، وكذلك عدم إستبانة " المؤتمر الوطني " لنصح القوى السياسية الوطنية وتحذيره من مغبة التمادي في الإستفراد وإحتكار حل الأزمات وتضييق الخناق على الداخل مما سيفضي ( للتدويل ) ، إلا أنَّ المؤتمر الوطني وكدأبه لم يعير أدنى إهتمام للأصوات الوطنية ، بل وذهب لأكثر من ذلك ، عندما ظلَّ يقدم التنازلات تلو الأخرى للخارج بغية أن يستميل ودَّهم ويتقرب إليهم زلفةَ عساهم أن يجدوا له غطاءً للبقاء في كرسي السلطة لأطول وقت ممكن ، إلا أنَّ أحلامه تلك باءت بالفشل وإنعزل المؤتمر الوطني من الخارج كما هو معزول من الداخل !! .
· في نسق هذه المحددات و" المهددات " ، دأب المؤتمر الوطني على الإنفراد بصنع القرار والإستئثار بالثروة القومية وتحجيم منابع الإقتصاد ، بل وتجفيف السوق ممَّن يصنفهم في خانة الأعداء " وما هم بذلك " ، أما المواطنون فحدث بحالهم ولا حرج ، تبدل الحال من السيء للأسوأ ، وإزدادت ( الهُوَّة ) بين المواطنين والدولة ، وإتَّسعت الفجوة ، على إثر هذا الواقع المزري والحال الكئيب ، أصبح المواطنون في حلٍ من أمر الحكومة ، بل ويتمنوا زوالها على وجه السرعة والعجالة ، لأنَّ الحكومة غدت غير آبهة بهموم ومشاكل مواطنيها ، بل منكفئة على نفسها ومتقوقعة في ذاتها ، أما الشعب فهو ظلَّ ولا يزال يقبع تحت وطأة السنين العجاف طالما " المؤتمر الوطني " يقود سُدَّة السلطة ودُفَّة الحكومة ، أما لسان حال الجماهير فهو يأمل بل يتمني زوال هذا الجسم الغريب من عاتقه ليشيَّع إلى مثواه الأخير حيث مذبلة التاريخ ولا يتوانى اللسان في قول ذلك ولو لثمة لحظةٍ واحدة .
· في هذا الأثناء ، بدأ ( أعداء ) السودان من الدول والمنظمات التكالب على هذا الوطن للنيل من مكتسباته ، أما " الشارع العام المحلي " فإنه منشغلٌ بالإنقسام الذي حدث بين صفوفه في خضم صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم ( 1706 ) الخاص بإستبدال ولاية ومهام حفظ السلم والأمن وحماية المدنيين في إقليم دارفور الملتهب والمضطرب ، لتتسلم المهام ( قوات الأمم المتحدة ) عوضاً عن ( قوات الإتحاد الإفريقي ) ، وكما هو بيّن فإنَّ قوات الإتحاد الإفريقي فشلت في أن تقوم بما يليها من دورٍ وفشلت في الإضطلاع بما وكلت به من مهامٍ ، ويعزى ذلك لإفتقارالقوات للعدة والعتاد وقلة القوات وشُح الموارد والإمكانيات والنقص في الكادر المؤهل والمدَّرب ( وهذا بإعتراف القائمين على أمر هذه المنظمة في غيرما مرة وفي غيرما مناسبة ) !! .
· ( القوى السياسية الوطنية ) ذات التواجد والتأثير على الرأي العام المحلي ، أبدت رأيها وصدحت بمواقفها حيال القرار (1706) ، فأحزاب " الأمة ، الشعبي ، الشيوعي ، الإتحادي ، العدالة " التي تعتبر ذات ثقل جماهيري ووزن لا يستهان به أيَّدت القرار وباركته ، أما أحزاب " الناصري ، البعثي ، أنصار السنة ، التحرير" التي تعتبر أقلَّ وزناً من الأحزاب الأخرى وثقلها الجماهيري ضئيل ، أبدت إعتراضها وتحفظها تجاه القرار .
· ( حكومة الوحدة الوطنية ) " كما تكني نفسها " ، هي بدورها لم تسلم من تبايُن الأراء بشأن التعاطي مع القرار ، فالقوى الرئيسية التي تشكل الحكومة إختلفت رؤاها إختلافاً كبيراً ، فالمؤتمر الوطني رفض القرار بإستماتة وتوعد بمحاربة من أسماهم الغُزاة إن وطأت أقدامهم أرض دارفور ، أما الشريك الثاني الحركة الشعبية فأبدت ترحيبها وإرتياحها تجاه القرار وأبلغت موقفها للولايات المتحدة الأمريكية إبان زيارة رئيسها لأمريكا مؤخراً قبيل صدور القرار بلحظات قلائل ، أما الشريك الصغير في الحكومة حركة تحرير السودان ففعلت ذات الشيء الذي فعلته رصيفتها الحركة الشعبية التي تعتبر قدوتها ، إذن ، فالحكومة في حد ذاتها أصبحت في آن واحد تؤيِّد القرار وترفضه .
· ( المؤتمر الوطني ) بدأ يعد العدة لخوض غمار المواجهة مع المجتمع الدولي والقوات الدولية القادمة ، وينجلي ذلك بجلاء من ثنايا اللهجة الحادة والخطاب الذي يسود في هذه الأيام وهو مملؤ بالتوعيد والترهيب للقوات الدولية إن وطأت أقدامها أرض دارفور دون إذن منه .
· ( الحركة الشعبية ) أعلنت بجلاء موقفها إزاء التعاطي مع القرار والقوات الدولية ، وأعلنت رفضها المواجهة مع المجتمع الدولي جملةً وتفصيلاً ، بل إرتأت ضرورة أن يسلك المؤتمر الوطني المسلك الدبلوماسي للتقليل من تأثيرات القرار والحيلولة دون إندلاع حرباً مع قوى العالم ، وإستندت الحركة في موقفها على " الدستور الإنتقالي " الذي لا يتيح حق ( إعلان الحرب ) لرئيس الجمهورية لوحده بل يشترط مواقفة نائبه الأول وإلا أصبح الإعلان باطل ، وبهذا ذوقت الحركة الشعبية رفيقها المؤتمر الوطني طعم الحنظل وسقته من كأس الهزيمة ، لأنَّ المؤتمر الوطني بعد أن أقام المسيرات وسيَّر المظاهرات " المصطنعة " لدعم موقفه الرافض للقرار ، إلا أنه تفاجئ بأنَّ كل تلك المسرحيات ليس بوسعها أو بمقدورها أن تعيد له موازين القوة داخل الحكومة لصالحه ، اللهم إلا إن كان المؤتمر الوطني يريد أن ينكث على ( إتفاقية نيفاشا ) كما نكث من قبل على فشودة والخرطوم للسلام !! .
· ( حركة / جيش تحرير السودان ) هي الأخرى ، لم تبعد كثيراً عن قدوتها الحركة الشعبية ، فأحرزت ثاني هدف مباشر لها في مرمى المؤتمر الوطني ، فالهدف الأول هو إشتراطها تسمية رئيسها " مني أركو مناوي " كبيراً لمساعدي الرئيس قبل أن يحضر للخرطوم ، وقد كان لها أن نالت ما إشترطت ، أما الهدف الثاني الذي أحرزته الحركة في شباك المؤتمر الوطني ، فهو ترحيبها بالقرار الأممي من داخل القصر الجمهوري وتبرؤها من قرار طرد قوات الإتحاد الإفريقي كما أعلن المؤتمر الوطني على لسان مجلس الوزراء ، بل ذهبت الحركة أكثر من ذلك نحو إحرازها للهدف الثالث بإعلانها أنها تعتزم القتال داخل الخرطوم إذا طردت قوات الإتحاد الإفريقي لجهة أن إتفاقية أبوجا التي تشارك بموجبها الآن في السلطة ستؤول للإنهيار ، أما ثالث الأثافي ، فهو قول " مني أركو مناوي " أن يرفض بتاتاً إندلاع المواجهة مع القوات الدولية في أرض دارفور ، ويرفض أن يشتعل فتيل الحرب مجدداً ، وقوله هذا بصفته رئيساً للسلطة الإنتقالية بإقليم دارفور ممَّا يعقِّد على المؤتمر الوطني أكثر ، لكأنما يخيّل لنا أن المؤتمر الوطني (يغرد خارج السرب) بحديثه عن الجهاد في إقليم يرفض حاكمه أن يُجاهَد على أراضيه
· ( الشعب السوداني ) المغلوب على أمره ، يأمل أن تتجنب البلاد والعباد شر الإحتراب أو محاولة التفكير فقط في مواجهة المجتمع الدولي في معركة من غير معترك ، بل يأمل الشعب أن تلتفت الحكومة تجاهه وتضطلع بواجباتها تجاه رعاياها من توفير لمقومات الحياة من مأكل ومشرب ومأمن وملبس ومأوى ، لأنَّ أي مواجهة محتملة مع القوات الدولية لن تقف في حدود إقليم دارفور فحسب ، بل ستمتد ويمتد أثرها على باقي أقاليم السودان ، وستكون عقب ذلك السانحة مواتية لأعداء السودان ذوي الأجندة والمصالح لإستغلال الموقف والإتيان بقوات إضافية متزرعة بحفظ الأمن ، وحينها سيصعب تدارك الآثار الجانبية التي تخلفها تلك القوات ! .
· ( مواطنوا دارفور ) الذين لا حول لهم ولا قوة ، بل ظلوا ولا يزالوا رهن المعاناة وويلات الحرب ووطأة النار ، يرغبون " بل يريدون حقاً " أن تضع الحرب أوزارها ، ويأملون من الحكومة أن تتجه نحو التعاطي العقلاني مع القرار ، لأنَّ الغالبية الغالبة من أهل دارفور الآن بين نازح ولاجئ ومتشرد يرحبون بالقرار على الأقل لحمايتهم من الجنجويد ، أما الذين ضاقت بهم المعسكرات من الثكالى والأرامل والأيتام ، فحالتهم تبكي لها القلوب وتدمع لها العيون ، يفترشون الأرض ويلتهفون السماء ويشاقون العناء ، لا ذنب لهم إرتكبوه حتى تكون حالتهم بهذه الشاكلة ، فأيضاً السواد الأعظم من هؤلاء باتوا غير آمنيين في معسكراتهم لذلك رحبوا بالقرار .
· هكذا هو ( المشهد السياسي ) على أعقاب قرار مجلس الأمن الدولي الصادر بالرقم (1796) ، وفي غداة هذا المشهد المثخن بالجراح ، طفحت للسطح وبرزت عدة أصوات تنادي ( بالوفاق الوطني ) وتوحيد ( الجبهة الداخلية ) بغية رأب الصدع وإصلاح ذات البين ورتق الفتق بين " الحكومة " من جانب و" المعارضة " من الجانب الآخر ، هذه المبادرة إنطلقت لتقريب المواقف وتذويب الخلافات وبناء ( أرضية وطنية مشتركة ) تتجاوز الإختلافات الإيدلوجية والمذاهب الفكرية والمشاريع السياسية ، وتساؤلنا هو ، هل هذه ( المبادرة ) تستطيع أن تححق ما عجزت عنه رصيفاتها الأخريات من ذي قبل ؟؟ أم أن في الأمر إنَّ ؟؟
· هذا التساؤل ، يحتمل ثمة أجوبة ، منها ما هو يصيب في مقتل ويشير للإحباط ، ومنها ما هو دون ذلك ويبعث التفاؤل ويبث الإطمئنان للنفس ، لأنَّ جميع المبادرات التي جاءت قديماً من هذا النوع من الحادبين على الوطن " أو من حسبناهم كذلك وما هم كذلك " إلا أنها باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح ، تارةً لتعنُّت المؤتمر الوطني وتارة أخرى لتداخل المصالح الشخصية ممَّن يفترض فيهم الحياد مع المصالح العامة ، فيا ترى ، هل عرف ( المؤتمر الوطني ) الآن حجم الكارثة والمنعطف الخطير والمخاض العسير والمحك الذي أوقعنا إياه ؟؟ وهل هو ـ المؤتمر الوطني ـ على إستعداد لتقديم التنازلات اللازمة لبلوغ " الوفاق الوطني " ؟؟ أم أنَّ ( المبادرة ) ما هي إلا إمتداد طبيعي لسابقاتها وجاءت لبث التخدير و( الإستهلاك ) فقط ؟؟
· عموماً ، القائمون على أمر هذه المبادرة ، هم ممَّن نظنَّهم " وليس كل الظن إثم " نظنهم حادبين على المصلحة الوطنية ، ويأتي على رأس هؤلاء ( المشير / عبدالرحمن سوار الذهب ) ، وهو ومن معه أهلاً للقيام بمثل هذه المهمة الوطنية في ظل هذا السفر المفصلي من تاريخ السودان ، فإننا نأمل أن يترفعوا فوق الصغائر كما عهدناهم أول مرة وأن يتساموا بهذا الوطن إلى حدقات العيون حتى تكلل مساعي ( المبادرة ) بالنجاح .
· ومهما يكن من أمر هذه المبادرة ، إلا أنها تعتبر بادرة جيِّدة وخطوة جريئة للخلاص الوطني ، وهذه الخطوة لريثما يكتب لها النجاح ينبغي " بالأحرى يجب " على القائمين بها أن يلقوا سمعهم ويصغوا آذانهم حيال رؤى القوى الوطنية بحصافة ، لكيما تستطيع المبادرة أن تخلص برؤى موحدة تستوعب من خلالها كافة الملاحظات التي ترد إليها من القوى السياسية وصولاً لصياغة المبادئ العامة التي ينبنى عليها الوفاق الوطني ، كما أيضاً تقدير الموقف حق قدره ومعرفة حساسية المرحلة توجبان ضرورة الوصول لجميع القوى " كبرت أم صغرت " . وحسبما علمت ، أنَّ المبادرون إلتقوا قادة القوى السياسية ووجدوا ترحيباً بفكرتهم هذه ، إذن تبقت فقط بضعة خطوات لتوحيد الجبهة الداخلية ، ولكن ، ما يجب أن نذكره ، أنه ، على المؤتمر الوطني أن يتنازل ولو أدى ذلك إلى تنازله تماماً عن السلطة لأنَّ التنازلات هي محفزات النجاح ، ومن ثم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية بمشاركة كافة القوى السياسية القومية والإقليمية سيما حملة السلاح في دارفور وشرق السودان ، لتحقيق الآمال العِراض التي يتتوَّق ويتشوَّق الشعب السوداني لرؤيتها في أرض الواقع ، وهذه الآمال هي ، العدل بدل الظلم ، والحرية بدل الكبت ، والإختيار بدل الإجبار ، والإنفتاح بدل الإنغلاق ، والوحدة بدل التشظي ، والمساواة بدل التفرقة ، والمشاركة بدل الهيمنة ، والتنوع بدل التباين ، والديمقراطية بدل الشمولية ، والرخاء بدل الغلاء ، والإثراء بدل الإستعلاء ، والوطنية بدل القبلية ، والقومية بدل الجهوية ، والشراكة بدل الأحادية ، والإجماع بدل الإنفراد .
· وبقى لنا ـ ختاماً ـ أن نقول : أنَّ ( المشهد السياسي ) ينذر بالخطر " ونأمل أن نتجنب الخطر " ، وثمة تفاؤل وبصيص أمل يحدنا ، فتزداد الثقة في الغد ، فنأمل لمبادرة الوفاق الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية أن تصل إلى ما ترجوه وتتطلع لتحقيقه وننشده نحن ، وليكن الشعار من الآن ( كل حقٌ يقابله واجب ) ، ( لا إنسانية بدون حرية ) ، ( الحقيقة فوق العقيدة ) ، ( العدل قبل الإحسان ) ، وإحلاصاً لحسن النوايا فليطلق " المؤتمر الوطني " الحريات من الآن سيما حرية الصحافة والتعبير والرأي .
وفينا شيءٌ من حتى ...
" مبادرة الوفاق الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية "
· قد لا تخالجني ثمة شكٍ إذا قلتُ ، أنَّ القارئ ـ أيُّما قارئ ـ إذا أراد أن يجري إستقراءً للمشهد السياسي السوداني على ضوء قرار مجلس الأمن الدولي الأخير ، حتماً سيُصاب بهستريا البحث والتمحيص والتفحيص لريثما يحدد المعطيات التي بدورها تفضي إلى تبلور القراءة السليمة والصحيحة للواقع السياسي ، ولا أُخال أنَّ تحديد القارئ للمعطيات يتم بسهولة ويُسر، لأنَّ القرائن التي يُفترض أن يسير على هديها القارئ فهي لا تبعث التفاؤل ، ولكن ، على كلّ ، تظل بوصلة الخارطة السياسية مفقودة حتى خلو الساحة من التناقضات والمتناقضات التي تكتظ بها ، ومع هذا ، لست يائساً أو مستيئساً من محاولة تسليط الضوء أو إلقاء بصيصاً منه على المشهد السياسي وإتجاهاته وما يطرأ عليه من مستجد أو ما سيؤول إليه من مآل !! ومن الصعوبة بمكان إستعراض جميع الدلالات والشواهد والمؤشرات المكونة للمشهد ، ولكن ، سأدلف إلى بعضٍ منها ، عسى أن أجد توصيفاً حقيقياً لها .
· ( فالوطن ) الآن معرَّض للتفتيت والتشظي والإنقسام ، وهذا بفعل المؤامرات التي ظلت تحاك ضد السودان من قوى البطش والقهر وصِلف الإستكبار والجبروت العالمي ، ولا إستتثناء هنا " لبعض " ضعاف النفوس من أبناء الوطن ، ويتصدر هؤلاء ( المؤتمر الوطني ) الذي عمد مراراً وتكراراً إلى إزكاء روح القبلية والجهوية وإنتفاء القومية وطمس الوطنية ، و( المؤتمر الوطني ) يحظوا بأعلى بورصة في أسهم المشاركة في تفتيت وحدة البلاد ، وبما لا يدع مجالاً للشكِ أو المساورة أنَّ وحدة البلاد الآن في خطرٍ عظيم ومحدق ، لم يشهد السودان من قبل مثيلاً من ذي قبل لهذا الخطر !! .
· و( الوطن ) الآن مهدد بأن يكون تحت ( الوصاية ) الأجنبية ، وهذا أيضاً بفعل تراكم المراوغات والمماحكات والمماطلات التي إعتاد عليها " المؤتمر الوطني " في التعاطي والتعامل مع القضايا الداخلية وسوء إدارته للأزمات التي باتت تطل برأسها حيناً وآخر ، وكذلك عدم إستبانة " المؤتمر الوطني " لنصح القوى السياسية الوطنية وتحذيره من مغبة التمادي في الإستفراد وإحتكار حل الأزمات وتضييق الخناق على الداخل مما سيفضي ( للتدويل ) ، إلا أنَّ المؤتمر الوطني وكدأبه لم يعير أدنى إهتمام للأصوات الوطنية ، بل وذهب لأكثر من ذلك ، عندما ظلَّ يقدم التنازلات تلو الأخرى للخارج بغية أن يستميل ودَّهم ويتقرب إليهم زلفةَ عساهم أن يجدوا له غطاءً للبقاء في كرسي السلطة لأطول وقت ممكن ، إلا أنَّ أحلامه تلك باءت بالفشل وإنعزل المؤتمر الوطني من الخارج كما هو معزول من الداخل !! .
· في نسق هذه المحددات و" المهددات " ، دأب المؤتمر الوطني على الإنفراد بصنع القرار والإستئثار بالثروة القومية وتحجيم منابع الإقتصاد ، بل وتجفيف السوق ممَّن يصنفهم في خانة الأعداء " وما هم بذلك " ، أما المواطنون فحدث بحالهم ولا حرج ، تبدل الحال من السيء للأسوأ ، وإزدادت ( الهُوَّة ) بين المواطنين والدولة ، وإتَّسعت الفجوة ، على إثر هذا الواقع المزري والحال الكئيب ، أصبح المواطنون في حلٍ من أمر الحكومة ، بل ويتمنوا زوالها على وجه السرعة والعجالة ، لأنَّ الحكومة غدت غير آبهة بهموم ومشاكل مواطنيها ، بل منكفئة على نفسها ومتقوقعة في ذاتها ، أما الشعب فهو ظلَّ ولا يزال يقبع تحت وطأة السنين العجاف طالما " المؤتمر الوطني " يقود سُدَّة السلطة ودُفَّة الحكومة ، أما لسان حال الجماهير فهو يأمل بل يتمني زوال هذا الجسم الغريب من عاتقه ليشيَّع إلى مثواه الأخير حيث مذبلة التاريخ ولا يتوانى اللسان في قول ذلك ولو لثمة لحظةٍ واحدة .
· في هذا الأثناء ، بدأ ( أعداء ) السودان من الدول والمنظمات التكالب على هذا الوطن للنيل من مكتسباته ، أما " الشارع العام المحلي " فإنه منشغلٌ بالإنقسام الذي حدث بين صفوفه في خضم صدور قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم ( 1706 ) الخاص بإستبدال ولاية ومهام حفظ السلم والأمن وحماية المدنيين في إقليم دارفور الملتهب والمضطرب ، لتتسلم المهام ( قوات الأمم المتحدة ) عوضاً عن ( قوات الإتحاد الإفريقي ) ، وكما هو بيّن فإنَّ قوات الإتحاد الإفريقي فشلت في أن تقوم بما يليها من دورٍ وفشلت في الإضطلاع بما وكلت به من مهامٍ ، ويعزى ذلك لإفتقارالقوات للعدة والعتاد وقلة القوات وشُح الموارد والإمكانيات والنقص في الكادر المؤهل والمدَّرب ( وهذا بإعتراف القائمين على أمر هذه المنظمة في غيرما مرة وفي غيرما مناسبة ) !! .
· ( القوى السياسية الوطنية ) ذات التواجد والتأثير على الرأي العام المحلي ، أبدت رأيها وصدحت بمواقفها حيال القرار (1706) ، فأحزاب " الأمة ، الشعبي ، الشيوعي ، الإتحادي ، العدالة " التي تعتبر ذات ثقل جماهيري ووزن لا يستهان به أيَّدت القرار وباركته ، أما أحزاب " الناصري ، البعثي ، أنصار السنة ، التحرير" التي تعتبر أقلَّ وزناً من الأحزاب الأخرى وثقلها الجماهيري ضئيل ، أبدت إعتراضها وتحفظها تجاه القرار .
· ( حكومة الوحدة الوطنية ) " كما تكني نفسها " ، هي بدورها لم تسلم من تبايُن الأراء بشأن التعاطي مع القرار ، فالقوى الرئيسية التي تشكل الحكومة إختلفت رؤاها إختلافاً كبيراً ، فالمؤتمر الوطني رفض القرار بإستماتة وتوعد بمحاربة من أسماهم الغُزاة إن وطأت أقدامهم أرض دارفور ، أما الشريك الثاني الحركة الشعبية فأبدت ترحيبها وإرتياحها تجاه القرار وأبلغت موقفها للولايات المتحدة الأمريكية إبان زيارة رئيسها لأمريكا مؤخراً قبيل صدور القرار بلحظات قلائل ، أما الشريك الصغير في الحكومة حركة تحرير السودان ففعلت ذات الشيء الذي فعلته رصيفتها الحركة الشعبية التي تعتبر قدوتها ، إذن ، فالحكومة في حد ذاتها أصبحت في آن واحد تؤيِّد القرار وترفضه .
· ( المؤتمر الوطني ) بدأ يعد العدة لخوض غمار المواجهة مع المجتمع الدولي والقوات الدولية القادمة ، وينجلي ذلك بجلاء من ثنايا اللهجة الحادة والخطاب الذي يسود في هذه الأيام وهو مملؤ بالتوعيد والترهيب للقوات الدولية إن وطأت أقدامها أرض دارفور دون إذن منه .
· ( الحركة الشعبية ) أعلنت بجلاء موقفها إزاء التعاطي مع القرار والقوات الدولية ، وأعلنت رفضها المواجهة مع المجتمع الدولي جملةً وتفصيلاً ، بل إرتأت ضرورة أن يسلك المؤتمر الوطني المسلك الدبلوماسي للتقليل من تأثيرات القرار والحيلولة دون إندلاع حرباً مع قوى العالم ، وإستندت الحركة في موقفها على " الدستور الإنتقالي " الذي لا يتيح حق ( إعلان الحرب ) لرئيس الجمهورية لوحده بل يشترط مواقفة نائبه الأول وإلا أصبح الإعلان باطل ، وبهذا ذوقت الحركة الشعبية رفيقها المؤتمر الوطني طعم الحنظل وسقته من كأس الهزيمة ، لأنَّ المؤتمر الوطني بعد أن أقام المسيرات وسيَّر المظاهرات " المصطنعة " لدعم موقفه الرافض للقرار ، إلا أنه تفاجئ بأنَّ كل تلك المسرحيات ليس بوسعها أو بمقدورها أن تعيد له موازين القوة داخل الحكومة لصالحه ، اللهم إلا إن كان المؤتمر الوطني يريد أن ينكث على ( إتفاقية نيفاشا ) كما نكث من قبل على فشودة والخرطوم للسلام !! .
· ( حركة / جيش تحرير السودان ) هي الأخرى ، لم تبعد كثيراً عن قدوتها الحركة الشعبية ، فأحرزت ثاني هدف مباشر لها في مرمى المؤتمر الوطني ، فالهدف الأول هو إشتراطها تسمية رئيسها " مني أركو مناوي " كبيراً لمساعدي الرئيس قبل أن يحضر للخرطوم ، وقد كان لها أن نالت ما إشترطت ، أما الهدف الثاني الذي أحرزته الحركة في شباك المؤتمر الوطني ، فهو ترحيبها بالقرار الأممي من داخل القصر الجمهوري وتبرؤها من قرار طرد قوات الإتحاد الإفريقي كما أعلن المؤتمر الوطني على لسان مجلس الوزراء ، بل ذهبت الحركة أكثر من ذلك نحو إحرازها للهدف الثالث بإعلانها أنها تعتزم القتال داخل الخرطوم إذا طردت قوات الإتحاد الإفريقي لجهة أن إتفاقية أبوجا التي تشارك بموجبها الآن في السلطة ستؤول للإنهيار ، أما ثالث الأثافي ، فهو قول " مني أركو مناوي " أن يرفض بتاتاً إندلاع المواجهة مع القوات الدولية في أرض دارفور ، ويرفض أن يشتعل فتيل الحرب مجدداً ، وقوله هذا بصفته رئيساً للسلطة الإنتقالية بإقليم دارفور ممَّا يعقِّد على المؤتمر الوطني أكثر ، لكأنما يخيّل لنا أن المؤتمر الوطني (يغرد خارج السرب) بحديثه عن الجهاد في إقليم يرفض حاكمه أن يُجاهَد على أراضيه
· ( الشعب السوداني ) المغلوب على أمره ، يأمل أن تتجنب البلاد والعباد شر الإحتراب أو محاولة التفكير فقط في مواجهة المجتمع الدولي في معركة من غير معترك ، بل يأمل الشعب أن تلتفت الحكومة تجاهه وتضطلع بواجباتها تجاه رعاياها من توفير لمقومات الحياة من مأكل ومشرب ومأمن وملبس ومأوى ، لأنَّ أي مواجهة محتملة مع القوات الدولية لن تقف في حدود إقليم دارفور فحسب ، بل ستمتد ويمتد أثرها على باقي أقاليم السودان ، وستكون عقب ذلك السانحة مواتية لأعداء السودان ذوي الأجندة والمصالح لإستغلال الموقف والإتيان بقوات إضافية متزرعة بحفظ الأمن ، وحينها سيصعب تدارك الآثار الجانبية التي تخلفها تلك القوات ! .
· ( مواطنوا دارفور ) الذين لا حول لهم ولا قوة ، بل ظلوا ولا يزالوا رهن المعاناة وويلات الحرب ووطأة النار ، يرغبون " بل يريدون حقاً " أن تضع الحرب أوزارها ، ويأملون من الحكومة أن تتجه نحو التعاطي العقلاني مع القرار ، لأنَّ الغالبية الغالبة من أهل دارفور الآن بين نازح ولاجئ ومتشرد يرحبون بالقرار على الأقل لحمايتهم من الجنجويد ، أما الذين ضاقت بهم المعسكرات من الثكالى والأرامل والأيتام ، فحالتهم تبكي لها القلوب وتدمع لها العيون ، يفترشون الأرض ويلتهفون السماء ويشاقون العناء ، لا ذنب لهم إرتكبوه حتى تكون حالتهم بهذه الشاكلة ، فأيضاً السواد الأعظم من هؤلاء باتوا غير آمنيين في معسكراتهم لذلك رحبوا بالقرار .
· هكذا هو ( المشهد السياسي ) على أعقاب قرار مجلس الأمن الدولي الصادر بالرقم (1796) ، وفي غداة هذا المشهد المثخن بالجراح ، طفحت للسطح وبرزت عدة أصوات تنادي ( بالوفاق الوطني ) وتوحيد ( الجبهة الداخلية ) بغية رأب الصدع وإصلاح ذات البين ورتق الفتق بين " الحكومة " من جانب و" المعارضة " من الجانب الآخر ، هذه المبادرة إنطلقت لتقريب المواقف وتذويب الخلافات وبناء ( أرضية وطنية مشتركة ) تتجاوز الإختلافات الإيدلوجية والمذاهب الفكرية والمشاريع السياسية ، وتساؤلنا هو ، هل هذه ( المبادرة ) تستطيع أن تححق ما عجزت عنه رصيفاتها الأخريات من ذي قبل ؟؟ أم أن في الأمر إنَّ ؟؟
· هذا التساؤل ، يحتمل ثمة أجوبة ، منها ما هو يصيب في مقتل ويشير للإحباط ، ومنها ما هو دون ذلك ويبعث التفاؤل ويبث الإطمئنان للنفس ، لأنَّ جميع المبادرات التي جاءت قديماً من هذا النوع من الحادبين على الوطن " أو من حسبناهم كذلك وما هم كذلك " إلا أنها باءت بالفشل ولم يكتب لها النجاح ، تارةً لتعنُّت المؤتمر الوطني وتارة أخرى لتداخل المصالح الشخصية ممَّن يفترض فيهم الحياد مع المصالح العامة ، فيا ترى ، هل عرف ( المؤتمر الوطني ) الآن حجم الكارثة والمنعطف الخطير والمخاض العسير والمحك الذي أوقعنا إياه ؟؟ وهل هو ـ المؤتمر الوطني ـ على إستعداد لتقديم التنازلات اللازمة لبلوغ " الوفاق الوطني " ؟؟ أم أنَّ ( المبادرة ) ما هي إلا إمتداد طبيعي لسابقاتها وجاءت لبث التخدير و( الإستهلاك ) فقط ؟؟
· عموماً ، القائمون على أمر هذه المبادرة ، هم ممَّن نظنَّهم " وليس كل الظن إثم " نظنهم حادبين على المصلحة الوطنية ، ويأتي على رأس هؤلاء ( المشير / عبدالرحمن سوار الذهب ) ، وهو ومن معه أهلاً للقيام بمثل هذه المهمة الوطنية في ظل هذا السفر المفصلي من تاريخ السودان ، فإننا نأمل أن يترفعوا فوق الصغائر كما عهدناهم أول مرة وأن يتساموا بهذا الوطن إلى حدقات العيون حتى تكلل مساعي ( المبادرة ) بالنجاح .
· ومهما يكن من أمر هذه المبادرة ، إلا أنها تعتبر بادرة جيِّدة وخطوة جريئة للخلاص الوطني ، وهذه الخطوة لريثما يكتب لها النجاح ينبغي " بالأحرى يجب " على القائمين بها أن يلقوا سمعهم ويصغوا آذانهم حيال رؤى القوى الوطنية بحصافة ، لكيما تستطيع المبادرة أن تخلص برؤى موحدة تستوعب من خلالها كافة الملاحظات التي ترد إليها من القوى السياسية وصولاً لصياغة المبادئ العامة التي ينبنى عليها الوفاق الوطني ، كما أيضاً تقدير الموقف حق قدره ومعرفة حساسية المرحلة توجبان ضرورة الوصول لجميع القوى " كبرت أم صغرت " . وحسبما علمت ، أنَّ المبادرون إلتقوا قادة القوى السياسية ووجدوا ترحيباً بفكرتهم هذه ، إذن تبقت فقط بضعة خطوات لتوحيد الجبهة الداخلية ، ولكن ، ما يجب أن نذكره ، أنه ، على المؤتمر الوطني أن يتنازل ولو أدى ذلك إلى تنازله تماماً عن السلطة لأنَّ التنازلات هي محفزات النجاح ، ومن ثم يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية بمشاركة كافة القوى السياسية القومية والإقليمية سيما حملة السلاح في دارفور وشرق السودان ، لتحقيق الآمال العِراض التي يتتوَّق ويتشوَّق الشعب السوداني لرؤيتها في أرض الواقع ، وهذه الآمال هي ، العدل بدل الظلم ، والحرية بدل الكبت ، والإختيار بدل الإجبار ، والإنفتاح بدل الإنغلاق ، والوحدة بدل التشظي ، والمساواة بدل التفرقة ، والمشاركة بدل الهيمنة ، والتنوع بدل التباين ، والديمقراطية بدل الشمولية ، والرخاء بدل الغلاء ، والإثراء بدل الإستعلاء ، والوطنية بدل القبلية ، والقومية بدل الجهوية ، والشراكة بدل الأحادية ، والإجماع بدل الإنفراد .
· وبقى لنا ـ ختاماً ـ أن نقول : أنَّ ( المشهد السياسي ) ينذر بالخطر " ونأمل أن نتجنب الخطر " ، وثمة تفاؤل وبصيص أمل يحدنا ، فتزداد الثقة في الغد ، فنأمل لمبادرة الوفاق الوطني وتوحيد الجبهة الداخلية أن تصل إلى ما ترجوه وتتطلع لتحقيقه وننشده نحن ، وليكن الشعار من الآن ( كل حقٌ يقابله واجب ) ، ( لا إنسانية بدون حرية ) ، ( الحقيقة فوق العقيدة ) ، ( العدل قبل الإحسان ) ، وإحلاصاً لحسن النوايا فليطلق " المؤتمر الوطني " الحريات من الآن سيما حرية الصحافة والتعبير والرأي .
وفينا شيءٌ من حتى ...