الهويـــة بين الواقعيـــــــة ... والمبدئيــــــــــــــــــة
"الهوية " مدلول مختصر لتعريف الشخص أو الشعب أو الجهة أو الوطن من هو ؟؟ فإذا وضعنا هذا التساؤل أمامنا نحن كسودانيين من نحن ؟ فما هي يا ترى الإجابة ؟ قطعاً إشكالات الهوية في السودان لم تبدأ اليوم أو قبل اليوم بل قبل قرن ونيف ، ولعل أبرز ما صاحبها حينذاك التعصب الأعمى واللا فكر واللا إعتراف بالآخر كماً ونوعاً وهذا ما ولد في نفوس السودانيين بالفطرة غبن إجتماعي دفين وإحتقان وإحتقار بالآخر ، فبرزت تيارات عدة منها ما كان ينادي بأن السودان دولة " عربية ومسلمة " وإتجاه آخر يقول أن السودان دولة " إفريقية "وإتجاه ثالث يرى أن السودان دولة " سودانية " لا إفريقية ولا عربية . فمكونات الهوية تتعدد في عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بالثقافة والتراث والجنس والدين واللغة ، فإذا تأملنا بنظرة فاحصة وعين ثاقبة هذه الجوانب هل نجد أن السودان يتمتع جميعه بوحدة هذه الخصائص؟ أم ان هنالك جوانب أخرى فيها ثمة إختلاف ؟ فالسودان دولة ذات حضارة عربية قديمة مزجت بالحضارات الأخرى الإفريقية منها والنوبية منذ باكر الزمان حين هجرة العرب الأوائل للسودان ، كما أن السودان دولة ذات حضارة إفريقية عريقة قديمة منذ سالف الزمان . فالباحث عن الهوية في السودان يحتار في إيجاد العوامل المشتركة بين مكونات الشعب السوداني والعوامل الأخرى غير المشتركات ، فالعامل المشترك أولا بين مكونات الشعب السوداني يكمن في اللغة التي يتحث بها أغلب الشعب السوداني في شماله وشرقه وغربه ووسطه وهذا المشترك بدأ يلمع بريقه منذ أواسط الخمسينيات من القرن الماضي حين إستقلال السودان وإعتماد اللغة العربية كلغة رسمية أولى في السودان ، أما المشترك الثاني فهو الدين " الإسلام " لإعتبارات عدة منها أن هنالك ممالك إسلامية كبيرة قامت في اواسط وغرب وشرق السودان كما أن لدخول العرب المسلمون السودان أثره الواضح في إرساء جوانب المشترك الثاني وضمان بقاء المشترك الأول ، أما المشترك الثالث الثقافة أيضا حين ثبان المشتركين الأول والثاني كان حتما أن تنشأ الثقافة الإسلامية كبديل للثقافات الأخرى وهذا ما شجع الثقافة في أن تكون من القيم والموروثات الاسلامية ، أما المشترك الرابع الجنس فإنه لم يكون موفق نسبة للتعاليم الدينية التي تدعو الى المساواة وعدم التفاخر بالأنساب والأجناس وهذا بدوره قاد الى إنتفاء ضرورة وحدة هذا المشترك ، ومع وجود تلك المشتركات إلا أن هنالك بعض الجوانب التي يختلف عندها ولا يمكننا العبور عليها دون تناولها ولو بتسليط الضوء عليها ، شعور بعض القوميات السودانية بالدونية ولد في دواخلهم التحرك نحو المجموعات الأخرى لإستقطابها بإعتبار أن الأصل هو الجنس وهذا الإتجاه وجد القبةل من كل من يحس بانه دني لذلك شكل هذا الجانب محطة ومرحلة مهمة في رسم الهوية السودانية . ولكن أفتكر أن التنوع والتباين الموجود في السودانلايمكن لنا أن نفسره على اساس الإختلاف فيجب أن نستثمره إستثمار منتج في اطار قومي موسع يحمل في طياته جميع الثقافات والاعراف والعادات والمعتقدات ويعطيها حق النمو والمحافظة على وجودها وتطويرها والتواثق على عقد اجتماعي جديد يمثل نقطة تحول في إشكالات الهوية السودانية وهذا العقد بالضرورة يقوم على اساس المواطنة أساسا لأخذ الحقوق وأداء الواجبات مع عدم التمييز بين الشعب السوداني على اساس الدين او العرق او الثقافة او الاتجاه او اللغة او اي شكل من اشكال التمييز ، وبناء هوية تحفظ للجميع حقه في ثقافته وتراثه ولغته وعاداته ومعتقداته لطالما هو سوداني ، والإستفادة من الفوارق والاختلاف والتباين في قيام نموذج حي للتصاهر والمساواة والعدالة الاجتماعية . فنحن لسنا عرب ولسنا افارقة بل نحن سودانيون لا غيرلافرق بين " أبكر - أدروب - ملوال - أحمد - حمدان " جميعهم سواء في اطار السودان الموحد لنأسس للوحدة الطوعية الحقيقية التي افتقدناها منذ بداية الإستعمار الداخلي في 1956م والواقع الآن يحتم علينا ذلك المنحى . فواقعية الهوية تأتي في إطار المشترك الكبير الوطن ويجب علينا ألا نلتفت للوراء للمبدئية العمياء التي تدعو الي الإقصاء والإستلاب و الإستيلاء والإستغلال ، يكفينا فخراً أننا " سودانيين " ويجب أن نضطلع بالدور الطليعي والرسالي المناط بنا بإعتبار أننا الطبقة المثقفة في المجتمع لنرسم لوحة جمالية مشرفة تحمل في طياتها الجميع بدون فرز . ويتوجب علينا عدم إستغلال الظروف المحيطة بنا لطالما نحن نزخر بتنوع وتباين يندر أن تجده في رصفاء السودان، فإستغلال الظروف يولد الغبن ثم الإنفجار ثم السقوط نحو الهاوية ولسنا بحاجة لذلك ، لذلك أرى ضرورة إرساء مفاهيم المساواة بين الشعب السوداني وإرساء جوانب الإعتراف والإيمان بالأخر كماً ونوعاً لطالما هو سوداني ، ويجب ألا تفرض ثقافة على غيرها وألا نستعلي إجتماعياً أو ثقافيا على الغير وألا نستلب ثقافته ويجب أن نتيح لها مساحة للتطور والنمو والمحافظة على ذاتها ووجودها ويجب التطلع للدور المتعاظم الحري بنا القيام بإنفاذه في ظل هذه التناقضات والتعقيدات الآنية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق