لماذا لا تنطلق الثورة الشعبية من وسط وشمال السودان؟؟
لا أُخال أنه قد تساورني أو تخالجني أدنى ثمة شكٍّ إذا جزمتُ أنَّ المخرج الحقيقي للشعب السوداني من الورطة والأزمة التي أوقعته إياهُا الحكومة السودانية، هو الإنتفاض والثور في وجه هذه الأوضاع المزرية والمتردية والإستعاضة عنها بمشروع ثوري مدني يقوم على أساس المشاركة بين أهل الهامش، وقوام هذا المشروع هي الجماهير العِراض، ويتمخُّض عنه برنامج وفاق وطني لبناء مصالحة وطنية، وإعادة صياغ العقود التي تجمعُ بين شعوب السودان المختلفة، من عقدٍ سياسي (نظام الحُكم)، وعقد إجتماعي (المواطنة)، وعقد قانوني (الدستور)، وعقد ثقافي (التنوُّع)، ولن يتأتى هذا الحل إلا بتضافر جهود قوى الهامش السوداني قاطبة وإتحادها، ولعلُّ الثورة الشعبية بمعناها المُتواتر تعني الإنتفاضة الجماهيرية، وفي كلا الحالتين هي ليست بجديدة على الشعب السوداني على مرِّ الأزمان، فقد شهدها الشعب السوداني الأبي إبان إكتوبر 1964م وإبان أبريل 1985م، والآن باتت السانحة مواتية لإحداث مثل هذا التغيير، فالثورة الجماهيرية أو الشعبية قوامها الجمهور أوالشعب، وبالتالي تعتبر هذه الثورة آلية مدنية وأداة سلمية لحل المشكلات السياسية، ومن هذه المشكلات تغيير الحكومات وأنظمة الحكم المختلفة التي تفتقر للبُعد الشعبي والإلتفاف الجماهيري، وبتمعُّن النظر وتصويبه صوب واقعنا السوداني المرير يتَّضح بجلاء لكلِّ ذي قلبٍ ألقى السمع وأصغى وهو شهيد أو كلِّ ذي بصيرة ومتابعُ دقيق ومراقبٌ حصيف، أنَّ هذه الآلية التي إستخدمها الشعب السوداني في غيرما مرَّة هي جديرة بإرتيادها مرَّة أخرى، فصحيح أنَّ قوى الهامش حملت السلاح في جميع الأطراف، ووقتئذ لم يكن السلاح غاية في حد ذاته، بل كان وسيلة لقوى الهامش للضغط على النظام بُغية أن يعترف بالمطالب المشروعة التي تقدمها هذه القوى وبالأوجاع والآلام التي تحملها وتُعبِّر عنها، وبالكاد كاد أن يتحقق هذا المُبتغى لولا بعض العثرات التي صحبتها ثورة الهامش، سواءً كانت تتمثل في الصحوة المُتأخِرة لقوى الإستنارة والتنوير والوعي التي تركت الباب منذ إنطلاقة الثورة موارباً على مصراعيه لغلاة بنية الوعي القبلية ليعيثوا الثورة ويختزلوها في أطماعٍ قبلية، أو شيوع ظاهرة الذوات والمآرب الخاصة والطموحات الفردية، أو لغيرها من الأسباب التي أدَّت إلى ترويض وإجهاض مشروع التحرير والتغيير وإختزانه في أطر ضيِّقة ومواعين لا تسِع لمن هم على رحابها. وهنا لستُ في معرض تقييم لتجربة الثورة السودانية المعاصرة، ولكن ينبغي أن نلقي النظر تجاه كافة مناحي الثورة، فمنها المُسلحة والثقافية والإجتماعية والإقتصادية والشعبية و... إلخ، ويمكننا القول أن تجربة الثورة المسلحة قد حققت أهدافها للمهمَّشين في جنوب السودان وبعضهم في دارفور وشرق السودان، ولكنها لم تحقق شيئاً للمهمَّشين في وسط وشمال السودان، وكذلك الثورة الشعبية قد حققت مبتغياتها وقتما قامت، وبقى لنا أن نشير إلى إفتقارنا نحن كسودانيين لتجربة خوض ثورة ثقافية أو إجتماعية أو رياضية أو علمية، ولو أنَّ ثمة دلالات تشير إلى إمكانية حدوث ثورة إجتماعية نهضوية شاملة إنطلاقاً من الفهم العميق الذي بدأ يترسَّخ لدى أذهان أهل الهامش، وبالنسبة لمقالتي هذه أردتُّ أن أشير إلى هاتان المحطتان اللتان لا شكَّ أنَّ لهما تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في أية ثورة سودانية شعبية مضت أو قادمة، ولا يهمنا هنا نوع أو حجم التأثير سواءً كان التأثير سالباً أو موجباً، كبيراً أم صغيراً، ولكن إستشعاراً منا بمسؤليتنا التاريخية تجاه المهمَّشين أنى وجدوا، تجعلنا نمدُّ لهم أيدينا بيضاء من غير سوءٍ لتضافر جهودنا جميعها من أجل إنتزاع حقوق المهمَّشين من المركز، فهم لم يختاروا أين يكونوا أو يستخروا، وكذلك لم يكونوا مخيَّرين في ذلك، ولربما من خلال كتاباتنا هذه يهتدي البعض ممَّن عُميت بصيرتهم وتمَّت إعادة إنتاجهم لصالح المركز ويفيقوا، كما لعلّّه لربما لم تكن الظروف الطبيعية والبيئية تسمح بإندلاع ثورة مسلحة في وسط وشمال السودان نسبة لغياب الأدوات المساعدة من جبالٍ وتلالٍ وأشجارٍ وغاباتٍ كما هو الحال في الجنوب أو دارفور أو شرق السودان، لذلك لا أجد بد من مناداة أولئك المهمَّشين بالشروع في هذه الثورة الشعبية، وليس من الضرورة بمكانٍ أن تستصحب هذه الثورة أثناء قيامها التغيير الشامل، لأنه لم ولن يتحقق لثمة لحظةٍ واحدة أو في غضون الإفاقة واليقظة من النوم العميق الذي كان يسود أرجاء الهامش، لأنَّ الطغاة والبُغاة والغلاة قد عملوا لسنينٍ خلت من أجل تثبيت دعائم مشاريعهم التي تنم عن إستغواء وإفتراء، وبالتالي لتكسير هذه المفاهيم البالية نحتاج إلى مساحة لبناء الثقة لدى أهل الهامش في أنَّ نخبة المركز مهما طال بها المقام فإنها ستذهب حيث مثواها الأخير حيث مذبلة التاريخ، لذلك أنه آن الأوان أن ننفض غبار السنين ونشحذ الهمم ونستلهم من ثوراتنا الشعبية التي خضناها من قبل ونستشعر عظمة الخطر المحدق الذي بدأ يطلُّ ولربما لا يضرُّ الصفوة المُترفة في المركز في شيْ، اللهم إلا أن يكون الضرر والضرار الأكبر واقعٌ على أهل الهامش، من هذه التجليات حريٌ بنا أن نعيد الكرَّة مرةً أخرى، ولتكن هذه المرَّة بوجهٍ جديد، لا تشوبه شائبة، ولا تحدَّه حدود. لأنَّ النخبة المستبدة والصفوة المترفة في المركز لا يعنيها الهامش في شيء، بل وأنها لا تريد وغير راغبة أصلاً في وضع حد للموارد المُستنزفة أو للدماء المُسالة أو للأرواح المُراقة والتي جميعها تعتبر خصماً من رصيد الهامش، لأنه القاتل والمقتول حيناً هو المهمَّش، وهنا نستدلُّ بقول الشاعر أبو القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة،،،، لابد أن يستجيب القدرولابد لليل أن ينجلي ،،،،،،،،،،، ولابد للقيد أن ينكسر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق