الخميس، أغسطس ١٠، ٢٠٠٦

المقاومــــــــة المدنيـــة

المقاومــــــــة المدنيـــــــــــــــة

? المجتمعات البشرية لم تحقق ما تصبو إليه من استقلال أو احترام أو حقوق دون صراع أو نزاع . وعندما يواجه مجتمع ما تحديات مصيرية وتغلق أمامه الطرق الدستورية فإن الناس تتجه أما (1) للإستسلام أو (2) للعنف، أو (3) للمقاومة المدنية.? فالعنف يتمثل أساسا في العمل العسكري وحرب العصابات، والقتل والاغتيالات والحرب الأهلية والإرهاب وشتى الأنواع المشابهة. والعنف يستخدم من أجل التهديد ضمن حدود معينة، أو من أجل إلحاق أكبر قدر ممكن من الأذى والضرر.? والمقاومة المدنية تختلف عن مبدأ العنف، وتقوم على سلب السلطة الظالمة من قدرتها على إخضاع المجتمع. ذلك لأن السلطة لا تصبح سلطة إلا إذا حصلت على "طاعة" أو "قبول" أو "إنصياع للأوامر"، تمكن الحاكم من تمرير سياساته السلطوية. بعكس العنف الذي يحتاج للذكاء الجسدي والقدرة الجسدية ـ المادية، فإن المقاومة المدنية تحتاج للذكاء العقلي والقدرة العقلية ـ الجماعية.? تعرف المقاومة المدنية بأنها "نوع من السلوك اللاعنفي الذي يشمل سلسلة من الإجراءات المستمرة والدؤوبة والمنسقة ضد قوة أو سلطة معينة. ومن هنا، فمن الضروري تسميتها بالمقاومة.أما نعتها بالمدنية فيعني من جهة، ارتباطها بالمواطنين وبالمجتمع، ومن الجهة الأخرى، كونها سلمية حضارية غير عسكرية ولا عنفية بطبيعتها".? المقاومة المدنية تحاول معالجة موضوع اطاعة الحاكم ولماذا يطاع النظام ومقاومة تلك الحالات. فالنظام يحصل على الطاعة لأسباب مختلفة. هناك "العادة" والناس يطيعون ما اعتادوا عليهم لزمن طويل. وهناك "الخوف من العقاب" وهناك "الإلتزام الأخلاقي"، إذ أن هناك من يشعر أن الطاعة تعبير عن واجب معنوي /أخلاقي نابع من إيمان ذلك الشخص بالمصلحة العامة، أو شرعية الأوامر، وهناك بطبيعة الحال "المصلحة الشخصية" المترتبة على إطاعة النظام. وهناك اللامبالاة وانعدام الثقة بالنفس أو انعدام الثقة بين أفراد المجتمع.? وسائل ضبط السلطة هي (1) التقيد الإرادي الذاتي، كأن يحاسب المرء نفسه ويمسك نفسه وسلطته عن الظلم، وهذا صعب التحقيق في عالم اليوم المعقد، (2) الضبط البرلماني، ضبط السلطة من خلال مؤسسةالبرلمان كما ورد في درس سابق. أو (3) استخدام سلطة أعلى من سلطة الظالم واللجوء إليها من أجلحل المشكلة، أو (4) استعمال العنف المضاد، أو (5)"المقاومة المدنية".? اساليب المقاومة المدنية عديدة ومتنوعة وتتطلب الابداع المستمر والحيوية في استطلاع الاراء واعتماد افضل الاساليب بصورة مترابطة.فالمقاومة المدنية تستخدم وسائل كثيرة وذكية ومنظمة "لضبط" سلطة الخصم ـ الظالم. والمقاومة المدنية تنشأ سلطة اجتماعية موازية ومعاكسة لسلطة النظام الظالم. وتعتمد المقاومة المدنية، أساسا، على الوسائل غير العنفية، ولعل ما قام به غاندي في الهند من أوضح الأمثلة على ذلك. إن المجهود العقلي والتنظيمي المطلوب لإدارة المقاومة المدنية أكبر من ذلك المطلوب لإدارة عمل العنف، لأن الضوابط المطلوبة كثيرة وكبيرةومتنوعة وتحتاج للتنسيق المتواصل والتفكير المبدع لتطوير الوسائل والأساليب التي يعتمدها المجتمعلمقاومة سلطة النظام الظالم.? لقد مارست الشعوب أنواعا مختلفة من المقاومة المدنية ولكنها كلها تجتمع على عدم تمرير سياسات النظام ـ الخصم، وموازاته بسياسات أخرى معاكسة. مثلا، الأمريكان قاوموا الاستعمار البريطاني في القرن الثامن عشر وامتنعوا عن دفع الضرائب والديون واستيراد البضائع من بريطانيا، ورفضوا إطاعة القوانين الظالمة،وأنشأوا مؤسسات سياسية مستقلة وقطعوا علاقاتهم الاجتماعية والاقتصادية مع البريطانيين وحلفاؤهم المقربين منهم.? المهاتما غاندي نظم حملة كبيرة بين 1930-1931، بدأت بمسيرة "الملح" ضد الإحتكار البريطاني، استمرفي نشاطه حتى بعد الحرب العالمية الثانية إلى أن حصلت الهند على استقلالها.? الميرزا حسن الشيرازي، مارس المقاومة المدنية من خلال إصداره فتوى تحرم التبغ في إيران 1892، لمواجهة الاحتكار البريطاني، واضطرت بريطانيا وحكومة الشاه القاجاري للتنازل.? في 1978، وعندما أصدر رئيس الوزراء العسكري، أردشير زاهدي، أوامر بإخلاء الشوارع، أصدر الإمام الخميني أمرا بملأ الشوارع وأبطل مفعول السلطة العسكرية.? في روسيا، في 1905، نفذ الناس اضطرابات عامة ورفضوا القمع والرقابة، وأنشأوا مؤسسات رادعة للسلطة السياسية.? في برلين، في العام 1920، أدى عدم تعاون الناس مع انقلاب ذلك العام لسقوط النظام العسكري. ? المقاومة المدنية قد تستخدم من أجل تحقيق إصلاحات دستورية، أو أهداف محدودة، وقد تستخدم لإزالة النظام بكامله، أو لمقاومة محتل.? المقاومة المدنية لا ترفض السلطة بالأساس، وإنما تسعى لضبط السلطة وإيقافها عند حدودها لمنعها من الظلم أو الإحتلال، إلخ..? يقول جين شارب، أن هناك نظرتان حول طبيعة السلطة. نظرية ترى أن مصير الناس يعتمد على حسن (أو سوء) نية الحكومة وقراراتها، وأن سلطة حكومة تنبع من، وتعتمد على النخبة المسيطرة على رأس الهرمالسلطوي وأن هذه النخبة تستطيع ضمان استمراريتها بنفسها دون الحاجة إلى الناس.? أما النظرة الثانية فتقول (كيف ما تكونون يولى عليكم) وحسن نية الناس تجاه تلك السلطة هو الذي يبقيها على رأس الهرم. وحسب هذه النظرة فإن السلطة تنبع من أجزاء متعددة داخل المجتمعنفسه، ولذلك فهي هشة وليست متينة أو ثابتة، وأن استمرارها وبقاؤها مرهونان بتعاون العديد من المؤسسات والأشخاص داخل المجتمع.? بلا شك، فأن فلسفة المقاومة المدنية قائمة على الأيمان بوجهة النظر القائلة بأن السلطة مرهونة بتعاون الناس. هذا ما قاله الإمام علي (ع): "لا أمر لمن لا يطاع"، بمعنى لا سلطة لمن لا يطيعه أحد. ? السلطة تخضع المجتمع لها من خلال "الولاء" أو "الأخضاع بالقوة". والأخضاع بالقوة يحتاج لمواردمادية مستمرة لفرض العقوبات لقسر الناس على إطاعة النظام.? يشرح د. خلف في كتابه "المقاومة المدنية"، أن السلطة تقوم بثلاث إجراءات لإخضاع المجتمع. إجراءات قمعية (اعتقال، تصفية، منع المعارضة، منع تحالفات ضد النظام، الإرهاب، المراقبة المستمرة)، إجراءاتاستبدالية وإجراءات استيعابية.? الإجراءات الإستبدالية تهدف لاكتشاف قنوات بديلة لتجاوز المعارضة. وأمثلة ذلك عزل القضايا وإبرازها كقضايا شخصية أو فردية أو فئوية أو مذهبية، واقناع الآخرين بأن النظام مضطر لمعالجتها بأسلوبه للمصلحة العامة. ويقوم النظام بتشجيع بروز خلافات داخل المجتمع، داخل الطبقة، داخل الطائفة، داخل القبيلة، لتحويلالأنظار عن القضية الرئيسية للخلاف بين النظام والمعارضة. كما يلجأ النظام لإجراء إصلاحات غيرجوهرية كوسيلة للوقاية من اتساع التذمر.? إجراءات استيعابية: وتشمل أشكالا أيديولوجية واقتصادية وسياسية تهدف إلى الحفاظ على الحد الأدنى من المساندة الاجتماعية للنظام. من أمثلة ذلك: إدخال إصلاحات اقتصادية، استيعاب رموز قيادية، إضعاف المعارضة عبر تقليل شأن قادتها، طرح أفكار معينة تقول أن ما هو موجود هو أهون الشرور، وأن البدائل قد تأتي بأسوأ مما هوموجود حاليا، إلخ. ? المقاومة المدنية تعتمد على (1) نشر الوعي، (2)البناء التنظيمي، (3) التحريض العام ضد الظلم، (4)الامتناع عن التعاون مع السلطة، (5) وتشكيل المؤسسات الموازية والبديل