السبت، أبريل ١٠، ٢٠١٠

الإنتخابات... عندما تتداعى المشاهد وتتنادى الجموع

عبدالفتاح محمَّد إبراهيم
waddawi@hotmail.com

• لستُ ممَّن يسعُون دائماً لرسم صورة قاتمة للأشياء دونما تمعُّن أو تبصُّر أو دراية، ولعل أولى الدلالات لذلك تتمثل في قراءة المُعطيات الراهنة مقرونة مع التوقعات التي قد تتمخض عن الإنتخابات ومآلاتها، فالناظر للقوى السياسية ومواقفها المتأرجحة بين المشاركة والمقاطعة يُدرك حجم الخطر المُحدِق الذي يطلُّ على السودان طالما أنَّ الشعب السوداني يرتهن لهذه القوى التي لم تستطيع أن تُحدد موقفها إزاء الإنتخابات ناهيك عن التعبير عن آمال وأشواق وتطلعات هذا الشعب المغلوب على أمره.
• الجميع ـ دونما فرزـ يتحدث عن الإنتخابات!! منهم من يحدوه الأمل بالخلاص من عهد الظلام إلى عهد التنوير ومنهم من يسودَّ وجهه وهو كظيم، وهنالك فئة ثالثة ليست مع هذا ولا ذاك لا ترى العجب ولا الصيام في رجب، فأنظروا لواقع الحال، الساحة السياسية مليئة بالنتوءات السالبة الناتجة عن عدم إستوعاب القوى السياسية لواجبهم المرحلي تجاه قضايا الشعب في ظلِّ هذا التاريخ المفصلي من سفر السودان، فالسودان الآن بين أن يكون أو لا يكون، ولكن القوى السياسية التي تحلم فقط بالإستئثار بالسلطة والإستحواز على مقاعد البرلمان عُميت بصائرها عن مُعاناة الشعب التي ما برح يرزح تحت وطأة نيرها ونيرانها.
• جميع ولايات السودان تُعاني من نقص الخدمات أو إنعدامها في بعض المناطق، وهناك من يُعاني التهميش السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي، وعلى هذه الحال، طموحات القوى السياسية لا تتعدى حصولها على أصوات المواطنين لبلوغ مآربهم الخاصة ودغدغة مشاعر الشعب وإستمالة عواطفه بالشعارات البرَّاقة والكلمات الرنانة والعبارات الجذابة، غير أنَّ هذا الشعب الذي ظلَّ يأتمن هذه القوى على مصالحه وأمانيه يعلم جيداً ويدرك تماماً أنَّ هذه القوى فقدت الثقة وباتت في غير مأمن ولن يجد ورائها غير أرتالاً من السراب.
• إذا أجرينا إستعراض لمواقف القوى السياسية التي تُكنِّي نفسها بالكبيرة سنجد العجب العُجاب، فأحزاب الوطني والشعبي والإتحادي والأمة والشيوعي هي مخلفات السودان القديم، ولن يجدُّ جديد إذا تسلَّم أيٌّ منها سُدَّة الحُكم، لأنَّ هذه الأحزاب جميعها ساهمت بعلمٍ وبغير علم في تدهور الدولة، ومن ذلك الإسهام الوافر في نشوب النزاعات وزرع فتيل الأزمات بين أبناء الوطن الواحد، فكانت الحرب الشعواء في جنوبنا الحبيب وكذلك دارفور وشرق السودان ومناطق أخرى على إمتداد مساحة الوطن الرؤوم، لذا فلا أعتقد أنَّ هذه القوى ستغيِّر الواقع لأنها منكفئة على ذاتها ومنغلقة في نفسها، أما بقية القوى السياسية ومنها الحركة الشعبية فهي أيضاً خذلت الآمال العِراض التي كانت، فلا أحد كان يُخال أنَّ الحركة الشعبية ستأتي يوماً وتنقلب على عاقبيها، جزء منها يُشارك في الإنتخابات والجزء الآخر منها يحجم عن المشاركة!! فأيِّ موقف هذا؟ أهو تمهيد للوصول إلى الإستفتاء العام المُقبل ومن ثمَّ الإنفصال بجنوب السودان أم ماذا سيكون الحال؟ فلا يُعقل أنَّ الحركة الشعبية وبرنامجها الرحب (السودان الجديد) تأتي وتنغمس في جنوب السودان!! وإلا فكيف نفسِّر خوضها لغمار الإنتخابات في الجنوب والإحجام عن الإنتخابات في الشمال.
• يُمكننا أن نتفق جميعاً حول موقف واحد، أنَّ السودان الآن الآن في مُفترق طُرق، ولذا فالمسؤلية السياسية والتاريخية الآن تقع على عاتق أبناء الوطن الأبرار للنهوض بهذا الوطن، فإما تحمُّل المسؤلية أو الإستعداد للمساءلة من قِبل الشعب، فهذا الوطن ورثناه موحداً ومتحداً بأبناءه، ولا يمكن بأية حال أن نجزئه ونشرزمه أو نكون جزءً من هذه التجزئة (وما ينبغي لنا ذلك).
• فمهما يكن من أمرٍ، فإنَّ هذه الإنتخابات التي تطلُّ برأسها في غضون هذه الأيام ستكون إما معاول للهدم أو معاول للبناء، فكان الأجدى بالقوى السياسية إن كانت حريصة على مصلحة الوطن أن توحَّد مواقفها السياسية، فلا يمكن لبعضها يُساهم في إضفاء شرعية منقوصة للحكومة القادمة والبعض الآخر ينتظر في الرصيف كمشاهد، فكانت الخطو الجدية هي إما أن يُشارك الجميع أو ينسحب الجميع حتى يكون الجميع مسؤول من مآلات المستقبل.
• ومهما يكن من شيءٍ، فإنَّ المشاهد التي تتداعى أمام ناظرنا الآن تُوحي إلى المستقبل المجهول، وكذلك الأصوات التي نسمع صداها الآن قد تتخلل في الصدور، ولكن يظل حُلمنا أن نرى السودان دولة واحدة وموحدة يسودها العدل بدل الظلم ، والمساواة بدل التمييز ، والحرية بدل الكبت ، والديمقراطية بدل الشمولية ، والإختيار بدل الفرض ، والمشاركة بدل الهيمنة ، والسلام بدل الحرب ، والإنفتاح بدل الإنغلاق ، والوطنية بدل القبلية ، والقومية بدل الجهوية ، والتعددية بدل الآحادية ، والسعة بدل الضيق ، والوحدة بدل التشظي ، والإثراء بدل الإستعلاء ، والإحتواء بدل الإقصاء ، والإستقلال بدل الإستغلال ، والفيدرالية بدل الإتحادية ، والتنوع بدل التباين ، والتكامل بدل التفاضل ، والشفافية بدل الغموض ، والتقدم بدل الجمود