الخميس، مارس ٣٠، ٢٠٠٦

لا تنهى عن خلق تأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم

لا تنهَ عن خلقٍ تأتي مثله ** عارٌ عليك إذا فعلت عظيم
الثورة بين فثور التجربة و نثور الذات وبثور الأنانية

الجزء الأول

لا شك أن الشعب السوداني عقب إندلاع الثورة في دارفور إستبشر وإستشرق تحقيق آماله وأشواقه وتطلعاته التي طالما عجزت القوى السياسية والأحزاب التقليدية القديمة عن إنجازها ، أو على أقل تقدير عن تحقيق ـ ولو ـ جزءً منها .
بهذه التطلعات ظل الشعب السوداني يلتف خلف الثورة ويؤول على القوى الثورية وظل يقدم الدعم للثورة ـ وليس بالضرورة مادياً ـ غير أن الثورة بدأت تكشر عن أنيابها بعد إنقضاء أعوامها الأوائل وبدت كأنما تتغير رويداً رويداً وتتنازل من برنامجها القومي مروراً بالفثور ودلالاته الواضحة والذي أصبح فيما بعد السمة الملازمة للثورة وصولاً إلى كثرة المشاكل والإشكاليات والخلافات التي تطرأ داخل أروقة مؤسسات الثورة .
ولعل هذه جميعها ـ المشاكل ـ ليست ببعيدة عن أعين الشعب السوداني أو عن آذانه الصاغية التي تقرأ هذه الإشكاليات من منطلق أنها نتاج طبيعي لعدم إكتمال النضوج الثوري وغياب التجرد والغواء المفاهيمي المستشري ، فضلاً عن بروز بعض المآرب القبلية والأطماع الذاتية والتطلعات الفردية والطموحات الشخصية ، وهذه جميعها ـ بالطبع ـ ستلقي بظلال سالبة حيال مسيرة الثورة النضالية ، وتنتقص من رصيدها السياسي والإعلامي لأن الشعارات البراقة والبيانات الحماسية والمنفوستات الجذابة التي كان لها الفضل في إستمالة كثير من جماهير الشعب السوداني للإصكفاف والإلتفاف خلف الثورة أصبحت في خبر كان ، وتتضح عظمة هذا النثور بجلاء بالنظر إلى المعطيات الآنية التي تخالف الشعارات ، وهنا تكمن خطورة الموقف حيث أناه ـ أي الثورة ـ لربما ستفقد كثيرين من المتعاطفين معها إذا لم يوضع حداً فاصلاً لهذه الإخفاقات التي تمثل بؤر تشاؤم وهوة إحباط أيما إحباط .
فإنطلاقة الثورة في دارفور ـ كان من ضمن أهدافها محاربة حكم الفرد والشمولية والديكتاتورية ومن أجل إرساء دعائم الجماعية والديمقراطية والمؤسسية ، ولئن نظرنا إلى الثورة ـ بمختلف توجهاتها ومسمياتها ـ نجد انها ـ أي الثورة ـ تسير بذات الخطوة التي ترفضها الشعارات تسير وفق أهواء وأمزجة أفراد وفي أحايين تسير برؤى فردية أو شللية صداقة أو قبيلة أو صحبة دراسة ، وبالتالي يكون هنالك تهميش بالطبع لكثير من أفراد الثورة الآخرين على الرغم من إسهامهم مع غيرهم في إنطلاقة الثورة ، وهذا ما يتناقض مع شعارات الثورة ولعل الشاعر حينما قال :

لا تنهى عن خلق وتأتي مثله ** عار عليك إذا فعلت عظيم

أصاب كبد الحقيقة ، بل أصابها جميعاً وكان صادقاً أيما صدق في تعبيره ذلك ، كما لعل الحكمة التي تقول فاقد الشيء لا يعطيه تعبر في ذات الإطار وبذات النمط الذي نحن بصدد تعريته حتى يقوم ويسير في الإتجاه الصحيح .
وثمة شعارات أخرى ـ براقة ـ ولا أقول جذابة وخداعة ، إذا نظرنا إليها نجدها أيضاً ـ بدلالة ليست فيها أدنى ثمة مواربة ـ تشير إلى وجود بثور وفثور ونثور وتناقض ما بين الشعارات من جانب والممارسات من جانب آخر ، ولست هنا للتعداد بل على سبيل الإستعراض سأتناول شعارات ( الوطنية والقومية ) ولعل هذه الشعارات كما هو معلوم كانت في السابق عبارة عن ريتوريكا مستترة وراء الترميزات التضليلية التي تستخدمها القوى السياسية التقليدية لإستقطاب وإستنفار الشعب السوداني دونما وجه حق .
فالوطنية هي محاربة القبلية ، والقومية هي محاربة الجهوية ، وبتمعن النظر بعين فاحصة وبصيرة ثاقبة تجاه الثورة الآن ، نجد أن كثيراً من أبناء الأقاليم الأخرى ( بخلاف إقليم دارفور ) المكونة للثورة بدأ ينتابهم شعور وإحساس بالإحباط واليأس على الرغم من أنهم أرسوا دعائم ( الثورة ) مع غيرهم

وللحديث بقية ، وفينا شيء من حتى

الخميس، مارس ٠٩، ٢٠٠٦

ما نتطلع إليه ونطمح في بلوغه وننشده ونستشرق تحقيقه
العدل لنا ولغيرنا ـــــــ الحرية لنا ولسوانا


لا غرو ولا عجب ولا إستغراب في أن الإنسان ـ أيما إنسان ـ بفطرته التي فطر عليها ونشأته التي نشأ على أنقاضها وبالطبيعة التي تطبعها منذ وجوده على المعمورة وحتى اللحظة ـ يحمل في دواخله قيم ومعاني سامية ، ويحمل في طياته غرائز من التضادات والمتناقضات ( العدل ـ الظلم ) و ( الخير ـ الشر ) و ( العلم ـ الجهل ) و ( الحب ـ الكراهية ) ، غير أن إحدى هذه التضادات ( المتناقضات ) تسيطر على محيه ومن ثم يسير الإنسان وفق نهجها ، وقل ما تجد إنساناً يجمع بين تضادين ( تناقضين ) في آن واحد ـ فمن هذه السايكوإنسانية تجد الإنسان ـ قديماً وحديثاً ـ يحمل الحسد والحقد ويضمر الظلم ويشيع التفرقة والبغض والكراهية للغير ، مثلما تجد تماماً الإنسان الآخر يحمل الحب والخير والجمال ويسعى ليعضد التكافل والتعاون والتراحم مع غيره ويتطلع لسيادة القانون ( الذي ينظم حياته السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها .. ) ويسعى هذا الإنسان لإرساء قيم العدل ودعائم الحرية ومضامين المساواة .
فمن هذه المنطلقات والتجليات تتجلى هوة الإختلاف بين إنسان وآخر ، على حسب بيئته وتربيته وسلوكه والطبيعة المحيطة به ، ولعل الإنسان يؤثر في هذه العوامل مثلما يتأثر بها ، إما أن يقومها ويصلحها ويتبعها ويتطبع عليها ، أو بفسدها ويضطهدها وبالتالي يبحث عن غيرها لجد ضالته حينئذ ، كل هذه المقدمة لإستعراض قيم ومضامين ( العدل لنا ولغيرنا ـ الحرية لنا ولسوانا ) ـ هذه القيم التي ظلت مندثرة في ظل هذا الوطن الجريح ( السودان ) منذ إنبثاق عهد أول حكومة وطنية تسلمت سدة الحكم بعد جلاء المستعمر الأجنبي .
فالعدل هو ذروة سنام المساواة وركنها الأساسي ، والمساواة هي المدخل إلى الحرية التي تفضي بدورها إلى قبول الآخر والإيمان به والإعتراف به ـ أي الآخر ـ والتطلع إلى بلوغ هذه القيم تطلع مشروع ( لأيما إنسان ) ليس السودانيين فحسب ، بإعتبار أن هذه القيم هي أساس الحياة الآدمية ، فالإنسانية في حد ذاتها تجسد لهذه المعاني ولهذه المضامين التي تتبلور من منطلق أن جميع البشرية ـ الناس ـ خلقوا من نفس واحدة وهم على قدم المساواة ( حد سواء ) في نيل وأخذ حقوقهم وأداء واجباتهم التي تناط بهم كل حسب ما يليه .
والعدل في توزيع ـ تقسيم ـ الثروات المنتجة وعائداتها والسلطات بين المواطنين على قدر من المساواة التي تحقق الرفاهية للشعب ، والمساواة بين جميع المواطنين دونما أدنى ثمة تمييز في نيل حقوقهم وأداء أدوارهم وأخذ ضروريات الحياة الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وعلاج وبسط مقومات الحياة الأساسية من حريات وحقوق ( العيش والحركة والعمل والكسب والتنقل ) هي التي تجسد لإرساء قيمة المواطنة التي بدورها تفضي إلى تقوية أواصر التواصل الذي ينبثق منه السلام القائم على مبدأ التسامح والتصاهر والتضامن والإحترام المتبادل والإعتراف بالغير وسط المواطنين .
والعدل هو الطري إلى الحرية .. والمساواة هي الطريق إلى الديمقراطية .. ولن تتأتى الحرية في غياب العدل وكذا الحال لن تتأتى الديمقراطية في غياب المساواة ـ فالقيم كثيرة ومتنوعة ومتعددة وتهدف جميعها إلى الإضطلاع بدور رسالي حيال ترقية الشعوب ورفاهيتها ، ووسيلة تحقيق ذلك هي إرادة الإنسان .
وما أتطلع إليه وأطمح في بلوغه وأنشده وإستشرق تحقيقه هو ( العدل ـ الحرية ) وهذا التطلع ليس معبراً عن رأي فحسب بل هو لسان حال السواد الأعظم من جماهير شعبنا حينما يرددون :
من منكم يعطى لهذا الشعب معنىً أن يعيش وينتصر ؟؟
من منكم لصياغة الدنا وتشكيل الحياة القادمة ؟؟
فهم يتطلعون للعدل بدل الظلم ، والمساواة بدل التمييز ، والحرية بدل الكبت ، والديمقراطية بدل الشمولية ، والإختيار بدل الفرض ، والمشاركة بدل الهيمنة ، والسلام بدل الحرب ، والإنفتاح بدل الإنغلاق ، والوطنية بدل القبلية ، والقومية بدل الجهوية ، والتعددية بدل الآحادية ، والسعة بدل الضيق ، والوحدة بدل التشظي ، والإثراء بدل الإستعلاء ، والإحتواء بدل الإقصاء ، والإستقلال بدل الإستغلال ، والفيدرالية بدل الإتحادية ، والتنوع بدل التباين ، والتكامل بدل التفاضل ، والشفافية بدل الغموض ، والتقدم بدل الجمود .
والإنسان ـ أيما إنسان ـ يظل ينشد هذه القيم ويتطلع لبلوغها إلى أن تتحقق لطالما يؤمن بأن الحياة ليست في طبيعتها ما لم تتحقق هذه التطلعات المشروعة ، والشعب السوداني يؤول على ( القوى الثورية ) و ( القوى السياسية ) لتحقيق طموحاته هذه وتطلعاته هذه ، وأنا واحد من ذاك الشعي أتطلع إلى ما يتطلع إليه وأأمل ما يأمله وأطمح لبلوغ ما يطمح لبلوغه شعبي .
فثمة أمل تحدني بأننا سنصل إلى ـ يوبيا ـ الوطن الموحد المتحد ، وطن الكرامة والعزة والعدل والمساواة المواطنة ، وطن المؤسسات والرفاهية والأمن والإطمئنان والسلام ، وطن المحبة والديمقراطية والحرية ، كل ذلك يتحقق عقب إحياء مضامين العدل لنا ولغيرنا والحرية لنا ولسولنا ، هذه القيم التي لا تدانيها أية قيمة في علوها وسموها ، إذن فلنسعى لتسود ولتحيا ولتعلو ولتبقى ولتثرى من بعد ذلك .

وفينا شيء من حتى

الأربعاء، مارس ٠١، ٢٠٠٦

لاخير فينا إن لم نقلها : فلتكن السيادة في كف عفريت ولتذهب الوطنية إلى الجحيم

لا خير فينا إن لم نقلها
مرحباً بالقوات الدولية ولتكن السيادة في كف عفريت ولتذهب الوطنية إلى الجحيم
لا شك أن الحكومة السودانية ( المؤتمر الوطني بالأحرى ) وجدت لها في هذه الأيام وجبة دسمة للمزايدات السياسية ومواصلة التهرب من دفع إستحقاقات الشعب السوداني – المغلوب على أمره – عبر ريتوريكا البقاء المستترة وراء الترميزات التضليلية ( الوطنية ) و ( السيادة ) لتستميل عاطفة الشعب السوداني ولتدغدغ مشاعره للإلتفاف حولها بغية مجابهة ومواجهة المجتمع الدولي المتمثل في ( الأمم المتحدة ) عقب تسلمه المرتقب لولاية ومهامحفظ الأمن وحماية المدنيين في إقليم دارفور المضطرب والملتهب ، بعد فشل الإتحاد الإفريقي وقواته في الإضطلاع بالدور الذي كان يؤمل أن يقوم به الإتحاد الإفريقي حيال ذلك ولعل القاصي قبل الداني يعرف جيداً ويدري تماماً أن الحكومة السودانية مهما أعطيت من قوة ليس بإستطاعتها أن تدهر قوات الأمم المتحدة من النزول إلى أرض إقليم دارفور المستفحل لتحقيق الأمن المرجو ولحفظ الإستقرار المنشود ولحماية المدنيين ولمراقبة تطبيق وتنفيذ السلام المرتقب ، وأن تضطلع هذه القوات بدورها بعد الفشل الذي منيت به قوات الإتحاد الإفريقي نسبة لقلة تجاربها وحداثة نشأتها وضعف مقدراتها وكفاءاتها وشح إمكانياتها ومواردها فضلاً عن إفتقادها للتدريب التام والتأهيل الكامل للعب مثل هذه الأدوار ( وهذا بإعتراف القائمين على أمر الإتحاد الإفريقي بعضمة لسانهم ولسان مجلس الأمن والسلم المنبثق من الإتحاد الإفريقي . كل ذلك ومن قبل قبلت الحكومة السودانية بل وافقت على إنفاذ قرار مجلس الأمن القاضي بنشر الآلاف من القوات متعددة الجنسيات في مدن متفرقة في السودان لمراقبة إنفاذ إتفاقية نيفاشا ولمراقبة تطبيق السلام وحفظه – وهذه الموافقة بمحض إرادة الحكومة – ولعل هذا القرار الأممي بالرقم ( 1590 ) هو ليس القرار الأوحد الذي صدر من مجلس الأمن الدولي ، بل صدرت عدة قرارات نذكر منها على سبيل الإستطراد لا الحصر القرار رقم ( 1591 ) والقرار رقم ( 1593 ) وغيرها منذ نشوب الحرب في دارفور وتصاعد حدة الأزمة ووتيرة الصراع ، ومع قبول الحكومة الصريح بوجود تلك القوات إلا أنها تنشط في هذه الأيام إعلامياً لتعبئة الشارع العام السوداني لرفض التدخل الدولي (كما تسميه) ولصون كرامة الوطن وللزود عن حياض الفضيلة والسيادة ( كما تزعم وتدعي ) – ولعل هذا التناقض الواضح والصادح وإزدواج المعايير ( الكيل بمكيالين ) الذي تنتهجه الحكومة السودانية يجعلنا نضطر للوقوف والتمعن والتبصر والتساؤل : لماذا قبلت الحكومة بمحض إرادتها وأمام أعينها وجود قوات أممية متعددة الجنسيات في مدن متفرقة في السودان ( الجنوب ـ النيل الأزرق ـ الأنقسنا ـ جبال النوبة ـ كسلا ـ الأبيض ـ الخرطوم ) وترفض الآن مجيء القوات الأممية لـدارفــور) ؟؟ وما هي معايير القبول أوالرفض لدى الحكومة ؟ وأي المدن أكثر حوجة الآن لوجود قوات مؤهلة ومدربة لحفظ الأمن والسلم ، أدارفور التي تنزف دماً للتو وتعيش اللا سلم واللا حرب ؟ أم الأبيض والجنوب الذي على أكثر تقدير يحتاج لمراقبة تطبيق إتفاقية نيفاشا فحسب ؟؟ كل هذه التساؤلات سوقتها آنفاً وأدري جيداً أنها مشروعة والإجابة عليها في غاية المشروعية ، ولعل إصطلاح ( السيادة والوطنية ) الذي تتمشدخ به خطب الحكومة هذه الأيام عبر كافة وسائلها الإعلامية المحلية الموجهة سواء كانت مرئية أم مسموعة أم مقروءة ، تدل بما لا يضع مجالاً للشك على مدى حالة الفوضى الإعلامية والتخبط العشوائي الذي أصاب الحكومة في محض في أواخر أيامها ، وتدلل على ( اللا وعي ) و( اللا فكر ) الذي تزدان به خطب الحكومة الحماسية التي عفا عليها الدهر وماتت بل شبعت موتاً – وتذكرنا بأيامها الأوائل حين تسلمها لسدة الحكم في السودان إغتصاباً . والجميع يعلم أن السودان هو عضو أصيل في المجتمع الدولي ( الأمم المتحدة ) إن جاز لي التعبير – وممثل فيها السودان بتمثيل دبلوماسي ، يؤثر ويتأثر بما يدور داخل أروقة الأمم المتحدة وما تضطلع به من أدوار جسيمة تحقيقاً للهدفين الأساسيين اللذان على أنقاضهما وإثرهما نشأة الأمم المتحدة تحقيق ( الأمن والسلم الدوليين ) ـ وإقليم دارفور الملتهب حالياً والذي نشبت فيه الأزمة الإنسانية المستفحلة " التي لم ير العالم لها من قبل مثيل " وتداعى لها الأمين العام للأمم المتحدة ووزير خارجية أعظم دولة في العالم ( أمريكا ) ووزراء خارجية دول الإتحاد الأوربي ومسؤليين دوليون كثر ، فهو – إقليم دارفور – ليس بمعزل عن بقية المناطق التي يتوجب على المجتمع الدولي أن يوفر لشعبها الأمن ويبسط لشعبها الإستقرار ويرسي دعائم السلام ( القيم التي تمثل الأهداف المركزية للأمم المتحدة ) . كما لعل ما تنطح به الحكومة السودانية في هذه الأيام من مدعاة (سيادة ) وخزعبلات ( وطنية ) لا تعدو كونها مثل المثل ـ البغلــة في الإبريـق ـ ولعل هذا المثل هو أفضل ما يعبر عن حال الحكومة السودانية وهي تلهث وتتباكي جرياً وراء الشعب السوداني وقواه السياسية ، فالشعب الذي ظل طيلة الفترات الماضية صابراً وعارفاً وملماً بكذب ونفاق ورياء وإدعاء الحكومة لا تفوت عليه مثل هذه المسرحيات السمفونية من النظام بغية جره إلى مصادمة المجتمع الدولي ، بل سيكون الشعب السوداني عند الزمان والمكان للإستقبال بحفاوة لا ينقصها الشكر والتثمين والتقدير للأمم المتحدة وقواتها هذه بغية حفظ أمنه وحمايته من زبانية وحاشية وجلاوزة ( الحكومة ) التي ظلت تقتل وتروع وتشرد المواطنيين المدنيين وتقذف قرى الأبرياء ، ولسان حال شعبي حينذاك يقول هل نظل كالحيارى دهشة خلف أبواب الخيالات الوهم التي ما صافحت يوماً أيادي الحظ في دنيا الطواغيت القزم أفلا ندري بأننا قد خلقنا من عدم وورثنا الأرض عمراناً وعدلاً لا ظلم والعدل هو حق أن يعيش شعب دارفور بل جميع شعوب العالم أن تعيش حياة هانئة هنية في مأمن ومستقر ورفاهية ، وهذا ما لم يتأتى إلا بوجود قوات أكثر فعاليةً وتدريباً وتأهيلاً للإضطلاع بحماية المدنيين ولحفظ الأمن والسلم ـ وهذا هو ما ينقص الإتحاد الإفريقي وقواته ويوجد لدى قوات الأمم المتحدة ـ شاءت الحكومة أم أبت ورفضت أم رضت ستأتي القوات متعددة الجنسيات ، وهنا لابد أن أذكر أن جنسية القوات هي ليست المعضلة الأساسية التي تهمنا بقدر ما تهمنا فعاليتها على أرض الواقع . فنعم أنه يخيل للحكومة أن هنالك سيادة ستنتهك ووطنية تغتصب ( وهذا زعم باطل ومحض إفتراء ) ، لأنه كان بيد الحكومة أن تحول دون إنتهاك هذه السيادة المدعاة عندما ظللنا ننبه من مغبة تدهور الأوضاع في دارفور وتنامي إنتهاك حقوق الإنسان في السودان ولكن الحكومة لا تستبين لنصحنا إلا ضحى الغد ، وكان أيضاً بإمكان الحكومة أن تحول دون حدوث ذلك بالتسارع لتدارك الأوضاع المستفحلة في الإقليم الملتهب دارفور وبإحداث إصلاحات جوهرية على إثرها تشارك القوى السياسية في إدارة دولاب الحكم ولكنها لم تفعل ذلك ولا أظنها تفعل عن قرب إلا بعد ( أن يقع الفأس في الرأس ) . والقذف بالعمالة والإرتزاق من قبل ( الحكومة ) لكل من يرحب بالقوات الدولية ، ما هو إلا طرفة جرداء وسمفونية وخذاء من وخذاوات الحكومة التي ما فتئت أن تحرك فينا ساكناً لطالما نؤمن بأنه لا إنصلاح لحال البلاد ولا العباد إلا بزوال هذه الحكومة الجاثمة على صدر هذا الشعب الأبي وإجتثاثها من الأرض وإقامة نظام تعددي يقبل ويقر بالجميع ويعطي كل ذي حق حقه على أساس كقافته ودرجة تخلفه التأريخي وإسهامه في البناء الوطني . وتباكي الحكومة الآن يعتبر ( فرفـرة مذبـوح ) ليس إلا ، لأن القوات الدولية قادمة .. قادمة لا محال شئنا جميعاً أم أبينا ، ولأن المجتمع الدولي لن يصمت طويلاً ويظل مكتوف الأيدي وهو يرى بأم أعينه شعوباً تباد وحرمات تنتهك وأعراض تغتصب وحقوق تستلب وأناس يطهرون بالنظر إلى عرقهم ومكونهم الإجتماعي الثقافي ومواطنون تزج بهم السجون وتفيض إنتقائياً بسبب جهتهم أو ألسنتهم أو ألوانهم أو لغاتهم ، كل ذلك ليس بمنأى عن المجتمع الدولي ـ لذلك لا أعتقد أن المجتمع الدولي سيتأخر ولو لثمة لحظة واحدة قبل أن يحقق أهدافه التي نشأ على أنقاضها متمثلة في الحفاظ على ( الأمن والسلم الدوليين ) ، وإن كانت هنالك غيرة مدعاة أو تباكي يستحق فهذه ليست مناسبته وهذا ليس مكانه ، فأين كانت سيادة الوطن عندما أغلقت الحكومة في الخرطوم شارع علي عبداللطيف إرضاءًا للسفارة الأمريكية ؟ وأين كانت هذه السيادة عندما وافقت الحكومة على إنتشار القوات متعددة الجنسيات في ربوع الجنوب وجبال النوبة والأنقسنا والأبيض وكسلا وحتى لم تسلم من ذلك الإنتشار العاصمة الخرطوم ؟ إذن فلنرحب بالقوات الدولية ولتذهب ( السيادة ) المدعاة إلى الجحيم ولتكن ( الوطنية ) المتباكى عليها في كف عفريت لريثما ينعم الشعب السوداني قاطبة وشعب دارفور خاصة بالعيش في سلام رغيد وأمن مديد وإستقرار تليد ، ولريثما يتم التوصل إلى إتفاق ينهي إستئثار المركز بالسلطة وإنفراده بالثروة ويفضي من ثم إلى سلام يحقق آمال وأشواق وتطلعات الشعب السوداني ، غيرذلك سنظل نرحب القوات الأممية ـ ليس لأننا لا نتمتع بعظمة السيادة أو نفتقد إلى الوطنية ـ كما تزعم الحكومة ولكن لإيماننا العميق بتكامل الأدوار بين الإنسانيين وتأكيداً منا على حوجة الشعوب إلى بعضها في أوقات العسر والشدة ـ ولا خير فينا إن لم نقلها ، إن نقلها نمت ، وإن لم نقلها نمت ، إذن فلنقلها ونمت ( مرحبـاً بالقـوات الـدولية لحمـاية المدنييـن ولحفـظ الأمـن والإسقـرار ولمراقبـة وقـف إطلاق النـار ولفض المناوشـات ولتذهـب السيـادة المدعـاة إلـى كـف عفريت – إن وجدت – ولتذهب الوطنيـة المبكاة إلـى الجحيـم ) وإن شر البلية يبكي ، بل يضحك ومستميت ضحكاً وبكاءًا
وفينـا شيء من حتـى