الاثنين، فبراير ١٣، ٢٠٠٦

عيـــد بأي حـــال عـــدت يا عيـــــد بما مضــى أم لأمـــر فيــــك تجديـــد

عيد بأي حال عدت يا عيد ؟ بما مضى أم فيك تجديد ؟؟
أيهم أنت عيد للإستقلال ... أم عيد للإستغلال


أطلت علينا في الأيام القليلة الفائتة – الذكرى الخمسين – من بذوق فجر الإستقلال ( كما يقال ) – الذكرى التي أحسبها ذكرى جلاء المستعمر الأجنبي وتسلم سدة الحكم في السودان للمستعمر الداخلي الذي إنبثقت منه الحكومات التي تعاقبت على إدارة دولاب الحكم ونظم الإدارة في الوطن – الذكرى التي أحسبها جسدت للظلم وأرست قوائم للتمييز والتفرقة والإضطهاد والتهميش والإستلاب والإستغلال السياسي والإجتماعي والإقتصادي والتنموي والثقافي في السودان .تجلت هذه الذكرى بعد مضي خمسون عاماً وحتى اللحظة لم يعبر شعبنا الجسر ليتحرر من براثن الطغيان ، فلم ينال شعب في التاريخ حريته قط إلا وهي مخضبة بدماء الشهداء !! فإنطلقت ثورات الهامش جنوباً وشرقاً وغرباً وشمالاً ووسطاً ، وإرتوت إفون الهامش بدماء شهداء الحرية والعدل والمساواة- فكانت التضحيات الجسام من أجل صون ( إستقلال ) حقيقي ليس مزيفاً أو حتى ( إستغلالاً ) كما هو الآن .فإذا أجرينا إستعراض للحوار الدائر بين إتجاهي أيهم كان ولا يزال إستقلالاً ؟ أم إستغلالاً ؟ وإستجلاء إمكانية الإستفادة من المعطيات والمؤشرات في تشخيص وعلاج الإتجاه – بما لا يدع مجالاً للشك – أننا عشنا طيلة الخمسون عاماً الماضية في عهد ( إستغلال ) متبلور بظلم فوق ظلمات .فإن مفتاح ( الإستقلال ) الحقيقي والتقدم وسر التحضر هو نبذ التخلف ، وإرساء دعائم القيم الوطنية والديمقراطية الراشدة ، وإقرار العدالة الإجتماعية ، والإعتراف بالحقوق المدنية ، إذن لطالما لم تتحقق هذه القيم فإننا لسنا في ( إستقلال ) حقيقي بل محض إفتراء وإدعاء !! فالحياة في صيرورتها سجالاً بين الناس ، وعجلة التاريخ في دورانها تظل تسجل أحداث حياتهم ، إلى أن يحقق النضال والكفاح الإنساني غايته ، ويصل مجتمعنا إلى – يوبيا – الإعتراف المتبادل والمساواة الكاملة بين جميع أفراده .. آنئذ .. نشعر بالتحرر من الإستعمار ، ونحقق الإستقلال الحقيقي ويستمتع شعبنا بمباهج الحياة .فالإستقلال ( ليس الإستغلال ) هو إحلال التفاؤل محل الإحباط .. ونهضة همة الشعب بعد رقاد .. وتحرير الشعب من أسره الذي طال .. وإعتبار أن كل خطوة في طريق الحرية .. هي بالضرورة خطوة .. إلى عصر النهضة وبناء الحضارة – والنقلة الحادبة من من عهد الظلام إلى عهد التنوير عقب تحقيق الديمقراطية وتوريث السلطة على المشاع ، وأن يجري تداولها بين المواطنيين على قدم المساواة – فحينما يسوي الشعب حكامه ، ويحاسبهم على أفعالهم ويغيرهم ، فإن ذلك يبشر بفجر الحرية التي هي بالطبع سلم من سلالام ( الإستقلال ) التي تنير الطريق إلى الأمل والعمل والتقدم ومصافي النماء والرفاهية وحينها ينبت نبت ( الإستقلال ) لنفرح به .خمسون عاماً مضت من الإستبداد السياسي والقهر الإجتماعي عايشناها ، لم نذق فيها طعم الحرية قط – وعشنا في بلدنا غرباء ، بينما ظل كهنة السلطة ، حلفاء الغزاة وصناع الطغاة ، يزيفون وعي شعبنا ويسرقون آماله وأحلامه ، توقفت مسيرة شعبنا الحضارية ، وتبدد إبداعهم الإنساني ، وتوالت عليهم المصائب والإحن والمحن من حيث لا يحتسبوا ، وعاشوا أسرى تخلفهم الإجتماعي والإقتصادي والإنمائي ، وبمرور الزمن وغواية السلطة – وإستكانة شعبنا ( مسلوب الإرادة منذ بدء الإستقلال أو بالأحرى الإستغلال ) – ظلت تؤول السلطة من نظام إلى نظام ومن جيل إلى جيل وكأنها تورث رعيلاً بعد رعيل وهكذا دواليك السلطة والثروة – ظلت دولة بين جماعات الصفوة المترفة والنخبة المستبدة .خمسون عاماً مضت وظل الإختلال في موازين السلطة والثروة قائم ، والتمييز والتفرقة على أساس الجهة أو اللون أو العرق أو الثقافة أو الدين موجودة ... فبأي إحتفال هم يحتفلون ؟؟ !! وبأي ( إستقلال / إستغلال ) هم يحتفون ؟؟!! دارفور تنزف دماً للتو ... والنازحون في الجنوب يريدون العودة ولا يستطيعون ... وتالمواطنون في الشرق يموتون بالسل " الدرن " ... والمواطنون في الشمال يعانون من داء السرطان ... المواطنون في الجزيرة وما حولها يشاقون البؤس ... اللاجئون السودانيون في مصر يقتلون ... كل هذا والحكومة تتهرب من الجلوس في تفاوض مع ( ثوار ) شرق السودان بغية التوصل إلى إتفاق يفضي إلى نيل وإنتزاع شعب الشرق لحقه ... كل ذلك والحكومة تواصل المراوغة والمماطلة والمماحكة مع ( ثوار ) دارفور في أبوجا بغية وضع حد للأزمة المستفحلة في الإقليم وإنتزاع شعب دارفور لحقه في السلطة والثروة – فأي عيد هذا الذي تريده الحكومة السودانية الآن ؟؟ كل عام يحتفلون بذكرى 1/1/1956م وبغضوا الطرف عن التساؤل : عيد بأي حال عدت يا عيد ؟ بما مضى أم فيك تجديد ؟والإجابة على هذا التساؤل المشروع هي ما لم يتحقق السلام في أجزاء السودان قاطبة وتعمه المساواة والحرية والديمقراطية والرفاهية ويعلوه العدل والقانون وتسود التنمية البشرية والعمرانية والإقتصادية المتوازنة بين مكوناته الثقافية والإجتماعية لا يكون هناك ( إستقلالاً ) بتاتاً ، بل يكون مثلما تريد الحكومة أن تحتفل بذكرى ( الإستغلال ) - أما الإستقلال والتغني به فهو طرفة ظللنا نسمعها من حين لآخر وعام إثر عام دونما أن تمت هذه الفقاعة لأرض الواقع بصلة من قريب ولا من بعيد .أما 1/1/2006 م فهي رأس سنة ميلادية جديدة وليست عيداً ( للإستقلال ) أهنيء بها الشعب السوداني وأأمل أن تعود علينا وتجدنا في سلام وطمأنينة ونحن نبدأ حينذاك مرحلة وضع حجر الإساس لبذوق فجر ( الإستقلال ) الحقيقي ودق مسمار الوداع في نعش ( الإستغلال ) للوصول إلى التحرر الذي من ثم نعيشه ونتعايشه .كما لا تفوتني ذكرى العيد الكبير( الأضحية ) التي تطل علينا في غضون الأيام القادمات والتي أتمني أن تأتينا عاما ً قادماً وتجدنا نعيش في دولة العدل والمساواة والحرية

الثورة يصنعها المفكرون وينجزها الشجعان ويستفيد منها الإنتهازيون

الثورة يصنعها المفكرون وينجزها الشجعان ويستفيد منها الإنتهازيون
إخترت العنوان أعلاه لكتابة هذا المقال ليس لبخس شيء ، بل إحياءاً لهذه المقولة التي طالما ظل يرددها الثوار في وطني جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً ووسطاً ، فالثورة - أية ثورة - كانت ولا تزال تعرف بأنها رفض لواقع مزري سواء كان تمخض عن ظلم سياسي أو إجتماعي أو ثقافي أو عرقي أو ديني أو إقتصادي أو في أي منحنى من مناحي الحياة الأخرى ، فضلاً أنها - أي الثورة - هي مجموعة أحاسيس ومشاعر تنبعث في الإنسان بغية حدوث الإنتفاض والثور لأجل تحقيق غاية وهذه الغاية بضرورة حتمية تنطلق من منطلق لنا ولغيرنا أو لنا ولسوانا أو لنا ولعدانا وكلاها صحيحة ، غير أن الثورات هذه جميعها وفي أغلب الأحايين تنشأ وتقوم وترتكز على أساس إيدلوجي ( ديني ) أو على أساس عرقي ( إثني ) وهذه الأسس هي طبيعة الثورات حسبما متعارف عليه تاريخياً الثورات في العالم الثالث إلا من ندر ، وتنقسم في حد ذاتها هذه الثورات إلى صنفين أولى محمية بالسلاح وأخرى شعبية ليست محمية بالسلاح وتعرف بالإنتفاضة ، ولعل ما يجمع بين كلتا الثورتين أكثر مما يميز بينهم ، وبطبيعة حالة الثورات أنها لا تنطلق وفق ترتيب كثيف مسبق لها بل تنشأ كردة فعل لفعل آخر كأداة رفض لذاك الفعل ومن ثم عقب ذلك تتم إعادة الصياغ وترتيب وترتتيل الأوضاع حسب الحوجة والضرورة كيف يصنع المفكرون الثوراتعند إستشراء الظلم - أي كان - سياسي ، إجتماعي ، ثقافي ، ديني ، عرقي ، جهوي ، لغوي ، يستشعر المفكرون بعظمة الدور الطليعي الملقاة على عاتقهم حيال هموم وقضايا جماهير شعبهم، وتنشأ وقتها الغريزة الفكرية في إيجاد مخرج ومخلص لشعبهم مما هم فيه ويظل هذا التفكير يتقدم إلى الأمام رويداً رويداً وينمو ويكبر لحظة إثر لحظة حتى يصل إلى ذروته ، آنئذ تشخص القضايا والهموم تشخيصاً سليماً وتوضع الحلول المرضية والسلمية السليمة لتداركها ويبدأ في ذات الأثناء الكفاح المدني ( الحوار ) كآلية وقتذاك لإنجاز الحلول محل النظر - وعندما يعجز المفكرون عن تحقيق شيء من هذا القبيل عبر هذه الآلية المتواضعة تتجه أنظارهم صوب خيارات أخرى ( جديدة ) يمكنها أن تؤدي إلى ذات النتيجة ولكنها في هذه المرة بوسائل أخرى مستوحاة من الواقع ومستلهمة في ذلك بالظلم التأريخي الذي عادة يولد الغبن وألإحتقان فالمفكرون هم الذين إكتووا بنيران الظلم أكثر من غيرهم من شرائح المجتمع الأخرى - ليس لشيء سوى أنهم مفكرين - ولأن المفكرون هم الشريحة الأكثر وعياً في مجتمعاتهم البسيطة التي غالباً ما تبحث فقط عن بدائيات مقومات الحياة من مأمن ومأكل ومشرب وملبس ومسكن ، لذلك يقع الحمل الأكبر على عاتق المفكرين والذي يفضي بدوره إلى بحثهم الدؤوب عن آلية لتخيف هذا الحمل ولن يتحقق حلم التخيف هذا إلا بالخلاص من الواقع المزري المعاش ، فتثور أفكار المفكرون وعقولهم - يتمخض عن ذلك إيجاد خيار جديد وهو ( الثورة ) بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وفي خضم ذلك يظل هذا الخيار هو الشغل الشاغل للمفكرون بعد نفاذ الخيارات الأخرى التي بدؤوا بها إلى أن يصل المفكرون إلى الإعلان عن ( ثــورة ) للخلاص والتغيير وتسوق هذه الفكرة في غضون أيام قلائل حتى تجدها سائرة وسط المواطنين وتصبح حديث المدينة ليلتف حولها المواطنون ويتطلعوا لنجاحها وبلوغ ما بشرتهم به من عصر الخلاص والتغيير والنهضة كيف ينجز الشجعان الثورةبعد رسم ملامح الثورة من قبل المفكرين ، يأتي دور المناضلين والذين بدورهم لا يتوانوا في أن يقدموا أرواحههم رخيصة في سبيل إنجاز المرحلة الثورية وتحقيق أهداف الثورة فضلاً عن تكبدهم المشاق ومواجهتهم للصعاب التي تعتري مسيرتهم النضالية وبذلهم للغالي والرخيص بإسهامهم الفكري والمادي والنفسي حتى تصل الثورة إلى مرحلة النضوج بعدما كانت نواة عند المفكرون فتمضي المسيرة النضالية – خطوة إثر خطوة – حتى تكتمل بنية الوعي الثورية بأسس ذات مضامين ومفاهيم تنشد تحقيق القيم التي إنطلقت من أجلها الثورة التي تتمثل في محاربة الظلم المستشري – أي كان – سياسي أو إجتماعي أو ثقافي أو إقتصادي أو عرقي أو ديني أو جهوي أو في أي شابيب من شبابيب الحياة المتنوعة والمتعددة ، غير أن المناضلون لا يعيرون إهتمام لجانب ( الإعلام السياسي ) والذي أصبح الآن هو الزاد وسلاح العصر وهنا يجد الإنتهازيون السانحة مواتية لهم في إستغلال نقطة ضعف المناضلين هذه وبذا يتمكن الإنتهازيون ( الثوريون الجدد ) من ملأ الساحة المحيطة بهم صريخاً وعويلاً وتبنياً لمواقف غيرهم من الأحداث التي تمر سراعاً وتتغيير حسبما المستجد الذي يطرأ عليها ووفق الراهن الذي تعج به الساحة السياسية وقتذاك في ذات الأثناء يظل المناضلون الشجعان غير آبهين بالإعلام مثلما قلت ويقضوا جل وقتهم في مواصلة النضال مستشعرين في ذلك بمعاناة أهلهم وشعبهم الذي يؤول عليهم كثيراً في الخلاص والتغيير للحال والواقع المزري ، ويظل هؤلاء الشجعان مهمومون حيال قضايا وهموم شعبهم ويتطلعون للوصول إلى نقطة النهاية بعد إنجاز المرحلة الثورية ويأملوا بلوغ تحقيق أمال وأشواق وتطلعات جماهير شعبهم المغوار دونما أن تكون هنالك ثمة تفكير في الإستئثار من ذلك بشيء وهكذا المناضلون الشجعان كيف يستفيد الإنتهازيون من الثورة عقب تحقيق نتائج إيجابية وطيبة على أرض الواقع مع إقتراب جني الثمرات يظهر للسطح ثوريون جدد ( إنتهازيون ) ليس إلا قادمون لتحقيق رغباتهم وأطماعهم الذاتية ومصالحهم الشخصية ومآربهم النفعية – متدثرين في ذلك بثوب ( الثورة ) والإيمان بها وببرامجها وأهدافها بغية إخفاء أجندتهم الخاصة التي جاؤوا من أجل تحقيقها ، وحينها يظهروا الحماس والجدية والإلتزام والتفاني ونكران الذات حتي يكثبوا ثقة غيرهم المناضلون الشجعان ومن ثم ليتدبروا وليتعقلوا في كيفية جلب منافعهم تلك ولا يهمهم في ذلك أدنى إهتمام بالأدب الثوري أو الأخلاقي ، بل مرتكزهم ( الغاية تبرر الوسيلة ) ضاربين بالقيم والمثل والأخلاق أرض الحائط فالإنتهازيون ( الثوريون الجدد) وفي أحايين قدامى كما ذكرت آنفاً يسعون بكل السبل – حتى وإن كانت ليست أخلاقية – لتحقيق مطامحهم الذاتية ويتحيلوا كافة الحيل – حتى ولإن تكن ليست شريفة – لدحض المفاهيم الثورية الحقة التي تعطي كل ذي حق حقه ومستحقه . فالثورة إما ( نــور ) أو ( نــار ) أولها نار فنار ثم نور ونور ، وكما يتطلع الإنتهازيون حسبما يزعموا أن يكتوي بنار الثورة أولاً المفكرون ثم يتبعهم ثانية في الإكتواء المناضلين الشجعان ثم ينعم بعدهم ( الإنتهازيون ) بنور الثورة ونورها دونما أن يقدموا شيء للثورة ومسيرتها النضالية الذي يعد بمثابة شرف لكل مناضل لا يدانيه شرف – أيما شرف – أن يقدم للثورة ماله ونفسه وروحه فداءاً للقضية التي آمن بها وثار من أجلها

حول أحداث اللاجئين السودانيين بالقاهرة

هل أذنت الحكومة السودانية لرصيفتها المصرية بإرتكاب تلك الجرائم البشعة في حق اللاجئين السودانيين بمصر

إنتابني الحزن وأنا أنظر إلى تلك المأساة وأبحر في تجميع المعلومات والإحصاءات الدقيقة لضحايا الأحداثالمؤسفة التي لم تفرق ما بين النساء والأطفال والعجزة والشباب – وكان مسرح الأحداث كما تابع وقرأ الجميع في هذه المرة القاهرة العاصمة المصرية .الجميع يعرف مدى حجم التخبط العشوائي الذي ظلت تدار به سدة الحكم في السودان – ولعل الكبت ومصادرة الحريات وقمع الشعب والتقوقع والتغلغل في جميع المؤسسات العمالية والمدنية بشمولية قابضة من الأنظمة – نتج وتمخض جراء تلك الأفاعيل بحث المواطنين عن مكان للأمن والمأكل والمشرب والإطمئنان والبحث عن مصدر عيش لهم ولأسرهم التي تؤول عليهم كثيراً في نلبية حاجياتهم الأساسية من مقومات للحياة والعيش ، فضلاً عن لجوء جزء من المواطنين للخارج بحثاً عن مصدر للأمن في النفس والمال والسكن عقب الحال المأزوم والكئيب في ظل مصادرة الحريات العامة والكبت والإعتقالات الإنتقائية التي لم يشهد السودان لها مثيل طوال تاريخه الحديث ببشاعة ووحشية مثل تلك .فخرج المواطنون مهاجرون ولاجئون إلى الخارج إنتشروا في رحاب المعمورة الواسعة وقاراتها المختلفة ودولها المتعددة وإختلطوا مع شعوبها المتنوعة وأثروا الحياة هناك وتأثروا بها – فإختار جزء من اللاجئين السودانيين " مصر " ملجأً ومأوىً ومأمناً لهم ولا غرو ولا عجب ولا إستغراب في تلك الإصطفاية لمصر نسبة لقربها من السودان ومن ثم نسبة إلى كونها من الدول الشقيقة والصديقة للسودان حسبما يزعم بعض العروبيون السودانيون ، فإنطلاقاً من تلك الموروثات التاريخية التي غرست في عقول السودانيين كان إختيار اللاجئين لمصر مستقراً وملجأً – فإكتظت مصر باللاجئين السودانيين من كل حدب وصوب في السودان .وظل اللاجئون السودانيون بمصرمنذ عمد طويل يبحثون عن حقهم المشروع كلاجئين وفق المواثيق والقوانيين الدولية المختصة بشئون اللاجئين الصادرة من مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة - فضلاًً عن مطالبتهم بحقوقهم الأساسية كلاجئين لدى مصر من قبل الحكومة المصرية ، غير أن الحكومة المصرية لم تعير لذلك أدنى إهتمام وظلت تتجاهل مطالبهم العادلة وتغض الطرف في النظر إليهم كإنسانيين آدميين لهم حق الحياة والعيش والبحث عن المأمن والمأوى والملاذ.فسير اللاجئون عدة مظاهرات سلمية - مصحوبة بمذكرات - مطالبين فيها بلفت النظر والإستجابة لحقوقهم وتلبية حاجياتهم ، في ذات الأثناء كانت الحكومة السودانية تعرف ذلك عن كثب وقرب ولم تفعل شيئاً ( ولن تفعل ) وكانت على دراية تامة بالأحوال والأوضاع السيئة التي تسود حياة اللاجئين السودانيين وتعلم جيداً الأوضاع المأزومة والموبوئة التي تحيط باللاجئين ولكنها لم تكلف نفسها بالبحث والبت عن حلول لذلك - على الأقل توفيق أوضاع اللاجئين - فظلت أحوال اللاجئين السودانيين بمصر كما هي أو أشد - لم يطرأ عليها جديد ، بل أصبحت أحوالهم تمضي من إتجاه السيء إلى الأسوأ حسب آخر التقديرات لأوضاعهم - ولعل اللاجئين لا يزالوا يناشدون المفوضية السامية لشئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من جانب والسلطات المصرية من الجانب الآخر بغية تدارك أزمتهم ووضع حد فاصل لمعاناتهم وتوفيق أوضاعهم كلاجئين ، غير أن الحكومة المصرية في هذه المرة سمعت دوي نداء اللاجئين وصداهم القادم من معاناتهم وأرادت أن تفعل شيئاً لعله يضاف إلى سجلها ( ليتها لم تفعل ) ولكن فعلتها هذه ليست تحقيقاً لتطلعات وأشواق اللاجئين في نيل حقوقهم المشروعة وفق قوانيين ومواثيق الأمم المتحدة ومفوضيتها لللاجئين ، بل العكس تماماً - فأدارت الحكومة المصرية معركة ليست في مكانها - من جانب واحد فقط مع اللاجئين الذين لا يملكون شيئاً سوى قضيتهم العادلة ومطالبهم الشروعة - فكانت المعركة الطاحنة والتي خسرت فيها الإنسانية قبل اللاجئين - والتي حشدت لها الحكومة المصرية قوات أمنها وشرطتها بغية إنهاء حالة الإعتصام المعلنة من اللاجئين ، وأسفرت معركتها تلك عن إزهاق العديد من المهج والأرواح وإستشهاد ما يربو على الخمسين ونيف ( حسب التصريحات غير الرسمية ) من بينهم أطفال ونساء وحوامل وعجزة - وحتى اللحظة لم يصدر من الحكومة السودانية ما تدين به أو تستنكر به أو تشجب تصرف الحكومة المصرية مع قضايا اللاجئين السودانيين العادلة في صبيحة الثلاثين من ديسمبر المنصرم ولا حتى صدر من الحكومة حتى التو على الأقل ما تترحم به على أرواح الضحايا أو الدعاء للجرحى والمصابين بعاجل الشفاء ، بل على عكس ذلك تماماً ظلت الأقلام المأجورة لصالح الحكومة في وسائل الإعلام المحلية تكتب ولا تبدي تعجباً أو إستنكاراً لما حدث ودونكم الطاهر ساتي بجريدة الصحافة .فتبادرت إلى ذهني ومخيلتي أسئلة كثيرة - ذات قيمة - تبحث عن إجابة شافية ليست فيها أدنى ثمة مواربة أو لبس ، تبدأ ب : هل أذنت الحكومة السودانية لرصيفتها المصرية بإرتكاب تلك الجرائم البشعة في حق اللاجئين السودانيين ؟؟؟!!- وتكمن إجابة هذه التساؤل ببساطة في التعمق والتفحص عن ، لماذا تغافلت وتجاهلت بل تغاضت الحكومة السودانية عن تلبية النداءات المتكررة لللاجئين ؟ ولماذا لم تدين تلك الأحداث التي كلمن شاهدها وفي نفسة ذرة من الإنسانية إحمرت عيونه وتقاطرت دماعه ؟ فيظهر بجلاء للقاصي قبل الداني تواطؤ النظام السوداني مع النظام المصري في إرتكاب هذه الجرائم التي لا يقرها قانون ولا عرف ولا ترتضيها نفس آدمية فيها ثمة إنسانية ولعل زيارة على عثمان محمد طه الآخيرة لمصر قبيل الأحداث لها دلالاتها ومؤشراتها التي ترتبط إرتباط وثيق مع هذه الأحداث المؤسفة والتي إعتدناها من النظام السوداني الذي لا يمت للأخلاق ولا الإنسانية بصلة من قريب ولا من بعيد .ولعلي لم أتعجب في أن يشترك النظام السوداني مع النظام المصري جنائياً في إرتكاب هذه الفظائع والمجاذر والمذابح الجماعية والتي أستخدمت فيها الأعيرة النارية وقاذفات ومرشات المياه البرودية والحرارية ، لأن بتمعن النظر في سجل وملف النظام السوداني ( القمعي ) تجده مليء بإنتهاكات حقوق الإنسان وتعديه وتجاوزه لمواثيق وقوانيين حقوق الإنسان العالمية التي تكفل للإنسان حق الحياة والعيش والكسب والكرامة .وليست جرائم النظام في دارفور من قتل وتشريد وإبادة منا ببعيدة ، فالنظام الذي يروع مواطني دولته ويقذف قراهم بالطائرات ليس غريباً أن يلتقي مع نظام آخر مثله وشتركا معاً جنائياً في تنفيذ أحكام إعدام لمواطنيه دونما أن يرتكبوا جرماً أو أن يفعلوا شيئاً يستحقون على إثره العقاب بل ويصتادهم في خارج مصيدته حتى لا يظن به أن المجرم غير أن الشواهد والدلايل لوحدها تثبت ذلك وتدحض نفيه من صلته بالأحداث .* خلاصة المقال ثمة أشياء يجب القيام بها مع التأكيد عليها :** مناشدة الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان العالمية والدولية والإقليمية والمحلية بالإسراع في التدخل للحفاظ ولحماية اللاجئين الباقين من ذئاب قوات الأمن المصرية وتكوين لجنة دولية عاجلة مستقلة للتحقيق في الأحداث المؤسفة وتسمية الجناة وتقديمهم إلى محاكمات عادلة وناجزة تحت رعاية الأمم المتحدة حتى لا يفلت مجرم من العقاب .** مناشدة المفوضية السامية لشئون اللاجئين بتوفيق أوضاع اللاجئين السودانيين بالقاهرة وتلبية حاجياتهم التي تقرها المواثيق والقوانيين الدولية .** مناشدة الحكومة المصرية بإقالة وزير داخليتها وإجراء تحقيق فوري وسحب الحصانة من الجناة لتقديمهم إلى العدالة بعد فراغ لجنة التحقيق التي تكونها الأمم المتحدة في هذا الإطار .** مناشدة الشعب السوداني والشعب المصري بتسيير مظاهرات شجب وإدانة وإستنكار ومناهضة لما حدث من أحداث مأساوية من الحكومة المصرية بالوكالة عن الحكومة السودانية .** مناشدة الإتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية بالضغط على الحكومة المصرية للإستجابة للمطالب المشروعة لللاجئين والتي تتمثل في حق الإقامة والحركة والتنقل والحياة والكسب والعيش .** مناشدة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار يدين فيه الأحداث ويضغط على الحكومة السودانية للإستجابة لرعايا الدولة والكف عن القهر والإستبداد الذي شرد وسيشرد المواطنين السودانيين للخارج وتوفيق أوضاع اللاجئين في مصر على عجالة .* الترحم على أرواح الشهداء ونسأل الله لهم المغفرة و القبول الحسن وإنزالهم منزل صدق مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً .* حسن العزاء والصبر والسلوان لنا ولعامة الشعب السوداني وجميع محبي الإنسانية وأهل الشهداء وذويهم وأصدقائهم في هذا المصاب الأليم وهذا الفقد الجلل .* خالص الدعوات وأصدق التمنيات للجرحى والمصابين بأن تتنزل عليهم ملائكة السماء والرحمة بعاجل الشفاء وتمامه .* الوقوف مع وخلف بقية اللاجئين حتى ينتزعوا حقوقهم العادلة والمشروعة التي تقرها لهم قوانيين ومواثيق الأمم المتحدة وحتى يتحقق حلمهم وأملهم في نيل وإنتزاع حقوقهم وفق أعراف وتعريفات مفوضية حقوق اللاجئين .الخزي والعار للحكومة السودانية ورصيفتها المصريةالمجد والخلود للشهداء والتحية والصمود لبقة اللاجئينالفخر والإعزاز للذين يقبضون على جمر قضايا الشعب وجذوتهاوالنضال والصمود للثائرون في وطني من أجل نصرة الشعب والمستضعفين

الهويـــــــــــــــــة بين الواقعيــــــــــــة والمبدئيــــــــــــــــة

الهويـــة بين الواقعيـــــــة ... والمبدئيــــــــــــــــــة
"الهوية " مدلول مختصر لتعريف الشخص أو الشعب أو الجهة أو الوطن من هو ؟؟ فإذا وضعنا هذا التساؤل أمامنا نحن كسودانيين من نحن ؟ فما هي يا ترى الإجابة ؟ قطعاً إشكالات الهوية في السودان لم تبدأ اليوم أو قبل اليوم بل قبل قرن ونيف ، ولعل أبرز ما صاحبها حينذاك التعصب الأعمى واللا فكر واللا إعتراف بالآخر كماً ونوعاً وهذا ما ولد في نفوس السودانيين بالفطرة غبن إجتماعي دفين وإحتقان وإحتقار بالآخر ، فبرزت تيارات عدة منها ما كان ينادي بأن السودان دولة " عربية ومسلمة " وإتجاه آخر يقول أن السودان دولة " إفريقية "وإتجاه ثالث يرى أن السودان دولة " سودانية " لا إفريقية ولا عربية . فمكونات الهوية تتعدد في عدة جوانب خاصة فيما يتعلق بالثقافة والتراث والجنس والدين واللغة ، فإذا تأملنا بنظرة فاحصة وعين ثاقبة هذه الجوانب هل نجد أن السودان يتمتع جميعه بوحدة هذه الخصائص؟ أم ان هنالك جوانب أخرى فيها ثمة إختلاف ؟ فالسودان دولة ذات حضارة عربية قديمة مزجت بالحضارات الأخرى الإفريقية منها والنوبية منذ باكر الزمان حين هجرة العرب الأوائل للسودان ، كما أن السودان دولة ذات حضارة إفريقية عريقة قديمة منذ سالف الزمان . فالباحث عن الهوية في السودان يحتار في إيجاد العوامل المشتركة بين مكونات الشعب السوداني والعوامل الأخرى غير المشتركات ، فالعامل المشترك أولا بين مكونات الشعب السوداني يكمن في اللغة التي يتحث بها أغلب الشعب السوداني في شماله وشرقه وغربه ووسطه وهذا المشترك بدأ يلمع بريقه منذ أواسط الخمسينيات من القرن الماضي حين إستقلال السودان وإعتماد اللغة العربية كلغة رسمية أولى في السودان ، أما المشترك الثاني فهو الدين " الإسلام " لإعتبارات عدة منها أن هنالك ممالك إسلامية كبيرة قامت في اواسط وغرب وشرق السودان كما أن لدخول العرب المسلمون السودان أثره الواضح في إرساء جوانب المشترك الثاني وضمان بقاء المشترك الأول ، أما المشترك الثالث الثقافة أيضا حين ثبان المشتركين الأول والثاني كان حتما أن تنشأ الثقافة الإسلامية كبديل للثقافات الأخرى وهذا ما شجع الثقافة في أن تكون من القيم والموروثات الاسلامية ، أما المشترك الرابع الجنس فإنه لم يكون موفق نسبة للتعاليم الدينية التي تدعو الى المساواة وعدم التفاخر بالأنساب والأجناس وهذا بدوره قاد الى إنتفاء ضرورة وحدة هذا المشترك ، ومع وجود تلك المشتركات إلا أن هنالك بعض الجوانب التي يختلف عندها ولا يمكننا العبور عليها دون تناولها ولو بتسليط الضوء عليها ، شعور بعض القوميات السودانية بالدونية ولد في دواخلهم التحرك نحو المجموعات الأخرى لإستقطابها بإعتبار أن الأصل هو الجنس وهذا الإتجاه وجد القبةل من كل من يحس بانه دني لذلك شكل هذا الجانب محطة ومرحلة مهمة في رسم الهوية السودانية . ولكن أفتكر أن التنوع والتباين الموجود في السودانلايمكن لنا أن نفسره على اساس الإختلاف فيجب أن نستثمره إستثمار منتج في اطار قومي موسع يحمل في طياته جميع الثقافات والاعراف والعادات والمعتقدات ويعطيها حق النمو والمحافظة على وجودها وتطويرها والتواثق على عقد اجتماعي جديد يمثل نقطة تحول في إشكالات الهوية السودانية وهذا العقد بالضرورة يقوم على اساس المواطنة أساسا لأخذ الحقوق وأداء الواجبات مع عدم التمييز بين الشعب السوداني على اساس الدين او العرق او الثقافة او الاتجاه او اللغة او اي شكل من اشكال التمييز ، وبناء هوية تحفظ للجميع حقه في ثقافته وتراثه ولغته وعاداته ومعتقداته لطالما هو سوداني ، والإستفادة من الفوارق والاختلاف والتباين في قيام نموذج حي للتصاهر والمساواة والعدالة الاجتماعية . فنحن لسنا عرب ولسنا افارقة بل نحن سودانيون لا غيرلافرق بين " أبكر - أدروب - ملوال - أحمد - حمدان " جميعهم سواء في اطار السودان الموحد لنأسس للوحدة الطوعية الحقيقية التي افتقدناها منذ بداية الإستعمار الداخلي في 1956م والواقع الآن يحتم علينا ذلك المنحى . فواقعية الهوية تأتي في إطار المشترك الكبير الوطن ويجب علينا ألا نلتفت للوراء للمبدئية العمياء التي تدعو الي الإقصاء والإستلاب و الإستيلاء والإستغلال ، يكفينا فخراً أننا " سودانيين " ويجب أن نضطلع بالدور الطليعي والرسالي المناط بنا بإعتبار أننا الطبقة المثقفة في المجتمع لنرسم لوحة جمالية مشرفة تحمل في طياتها الجميع بدون فرز . ويتوجب علينا عدم إستغلال الظروف المحيطة بنا لطالما نحن نزخر بتنوع وتباين يندر أن تجده في رصفاء السودان، فإستغلال الظروف يولد الغبن ثم الإنفجار ثم السقوط نحو الهاوية ولسنا بحاجة لذلك ، لذلك أرى ضرورة إرساء مفاهيم المساواة بين الشعب السوداني وإرساء جوانب الإعتراف والإيمان بالأخر كماً ونوعاً لطالما هو سوداني ، ويجب ألا تفرض ثقافة على غيرها وألا نستعلي إجتماعياً أو ثقافيا على الغير وألا نستلب ثقافته ويجب أن نتيح لها مساحة للتطور والنمو والمحافظة على ذاتها ووجودها ويجب التطلع للدور المتعاظم الحري بنا القيام بإنفاذه في ظل هذه التناقضات والتعقيدات الآنية

قراءة في ثنايا مؤتمر الفاشر الذي إنعقد في أيام 19و20و21ديسمبر الماضي

قراءة في ثنايا مؤتمر الفاشر المنعقد في أيام 19و20و21ديسمبر2005م

تلتئم في الأيام القليلة القادمة - بالفاشر - قمة تضُم في طياتها مجموعة من أبناء دارفورالمنتسبين للمؤتمر الوطني تنظيماً وآخرون سلوكاً بالإضافة إلى بعض الأفراد من القوى السياسية الآخرى ، بغية عقد مؤتمر جامع لهم للبحث والبت في كيفية حل أزمة دارفور كما يزعمون ، فكونت لجنة عليا للإعداد والتحضير للمؤتمر المعني برئاسة عثمان محمد يوسف كبر والي شمال دارفور وإنبثقت منها لجان أخرى للخدمات والإعلام والإستقبال ما يهمنا في هذا الإستعراض هو دراسة ما جدوى إلتئام هذا المؤتمر في ظل هذا المخاض العسير والمنعطف الخطير الذي يمر به إقليم دارفور من سفره التاريخي؟ ومحاولة البحث عماسيتمخض من نتائج في هذا المؤتمر ومدى إسهامها سلباً كان أم إيجاباً تجاه قضية دارفور؟ كما سأحاول أن أسهم برأي في هذا المؤتمر الذي وجد من الرواج الإعلامي والدعاية في وسائل الإعلام المحلية المقروءة والمرئية والمسموعة ما يجعله مكان إنتباه ومثار تأني بقراءة دقيقة وفحص عميق عن فحواه ومكان دراسة بحصافة .المتابع لمسرح الأحداث الدارفورية يجد أن هنالك ثمة مؤتمرات قبيل هذا عقدت وتمخضت منها نتائج مهولة وتوصيات ومقررات لم تجد حظها من التنفيذ - أغلب تلك المؤتمرات اعدها ونظمها ( المؤتمر الوطني ) ومنسوبيه والموالين له - تلك المؤتمرات أشبه بهذا المؤتمر من حيث الفكرة والإعداد والتوقيت والهدف منها ، ولعل الاحادية التي ظلت تلازم تلك المؤتمرات لم يطرأ عليها شيء جديد أو مستحدث في هذه المرة سوى محاولة التستتر عليها بترميز تضليلي ((تمامة جرتق )) حتى يتدثر المؤتمر بثوب القومية والجموعية ( الإجماع ) لكيما تغيب الإنتقادات التي تصوب تجاه المؤتمر والنقد البناء الذي ينبذ الآحادية الجانبية الإقصائية التي ظل ينتهجها النظام في كل مؤتمراته .ولعل في هذه المرة يعتبر المؤتمر مكان جدل واسع وسط شرائح المثقفين من أبناء دارفور - منهم من عارض قيامه ، ومنهم من وافق على قيامه ، وآخرون تحفظوا عن الإدلاء بأرائهم ، في ظل هذه التناقضات في المواقف لكل منهم ما يبرر له موقفه ، ولعل الموقف الصائب والأرجح برأي هو عدم قيام هذا المؤتمر لإعتبارات زمانه ومكانه وآحاديته وغياب كثيرين من المعنيين والمهتمين بالقضية عن هذا المؤتمر ، وغياب الهدف الإستراتيجي البيين والواضح من قيامه فالقارئ الجيد لثنايا المؤتمر المزمع عقده يتضح له بجلاء حجم الإسهام السالب تجاه قضية دارفور ككل ومفاوضات أبوجا بصفة خاصة - ويكون هذا الإسهام على الأقل في أنه لايدفع بعجلة التفاوض بل وانه يشجع النظام ( المؤتمر الوطني )على الهروب من دفع إستحقاقات القضية التي بدورها تفضي إلى سلام ومن ثم إلى تحقيق آمال وأشواق شعب دارفور .فالمؤتمر الوطني يريد أن يخلق من هذا المؤتمر بؤرة خلاف جديدة بين ابناء دارفور بغية شرخ القضية - هذه البؤرة الجديدة تتبلور من خلال المؤتمر ويتأتى هذا التبلور من الرواج بأن الثورة ( حركة العدل والمساواة - حركة تحرير السودان ) لا يمثلون شعب دارفور بل يمثلون أنفسهم فقط وأن المؤتمرون هم أهل الحل والعقد في دارفور ويجب أن تتأتى رؤى الحل للأزمة من هؤلاء ، وهذا محض غفتراء لأن أهل دارفور بمختلف مكوناتهم الإجتماعية والثقافية والسياسية حينما شاركوا في ملتقيات طرابلس - ليبيا - أكدوا على أن الثوار يمثلون دارفور وبذلك هم الأجدى بأن ينتزعو حقوق اهل دارفور المسلوبة من المركز ، وهذا الإحماع يدحض إفتراءات النظام وجلاوزته .ثم أن في هذه الأيام القليلة الفائتة إلتأمت جولة مباحثات جديدة بأبوجا بين حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان من جانب مع نظام الخرطوم من الجانب الآخر ، ويريد أتباع النظام الحاكم ( المؤتمر الوطني ) خلق بلبلة وتلغيم أجواء التفاوض بسموم حتى لا تتم التسوية السياسية بعد أن وجد النظام نفسه في موقف تفاوضي ضعيف ومواجه بكمية من الضغوط المحلية والدولية والإقليمية بغية إنهاء الأزمة المستفحلة - ولعل مسعاهم هذا قد خاب بعدما دخلوا الثوار برؤية تفاوضية واحدة وموقف تفاوضي مشترك على أتم التنسيق وهنا يكمن ( مربط الفرس ) .جل مثقفي دارفور - إن لم أقل جميعهم - رافضين لإلتئام هذا المؤتمر في الوقت الراهن ، لأن هذا المؤتمر في هذا التوقيت يتعارض ويتناقض مع ( إعلان المبادئ ) الموقع في أبوجا قبل الماضية والذي يشير إلى قيام مؤتمر للحوارالدارفوري الدارفوري عقب تحقيق السلام من خلال منبر تفاوض أبوجا ، لتشارك فيه جميع الشرائح المكونة لمجتمع دارفور من طلاب وشباب ومرأة وإدارات أهلية وحملة سلاح ... ألخ ، ولعل أي مؤتمر قبل التوصل إلى سلام من خلال أبوجا هو ليس جامع وليس قومي لأن هذه الصفات تنتفي عنده وتغيب منه