الاثنين، فبراير ١٣، ٢٠٠٦

الثورة يصنعها المفكرون وينجزها الشجعان ويستفيد منها الإنتهازيون

الثورة يصنعها المفكرون وينجزها الشجعان ويستفيد منها الإنتهازيون
إخترت العنوان أعلاه لكتابة هذا المقال ليس لبخس شيء ، بل إحياءاً لهذه المقولة التي طالما ظل يرددها الثوار في وطني جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً ووسطاً ، فالثورة - أية ثورة - كانت ولا تزال تعرف بأنها رفض لواقع مزري سواء كان تمخض عن ظلم سياسي أو إجتماعي أو ثقافي أو عرقي أو ديني أو إقتصادي أو في أي منحنى من مناحي الحياة الأخرى ، فضلاً أنها - أي الثورة - هي مجموعة أحاسيس ومشاعر تنبعث في الإنسان بغية حدوث الإنتفاض والثور لأجل تحقيق غاية وهذه الغاية بضرورة حتمية تنطلق من منطلق لنا ولغيرنا أو لنا ولسوانا أو لنا ولعدانا وكلاها صحيحة ، غير أن الثورات هذه جميعها وفي أغلب الأحايين تنشأ وتقوم وترتكز على أساس إيدلوجي ( ديني ) أو على أساس عرقي ( إثني ) وهذه الأسس هي طبيعة الثورات حسبما متعارف عليه تاريخياً الثورات في العالم الثالث إلا من ندر ، وتنقسم في حد ذاتها هذه الثورات إلى صنفين أولى محمية بالسلاح وأخرى شعبية ليست محمية بالسلاح وتعرف بالإنتفاضة ، ولعل ما يجمع بين كلتا الثورتين أكثر مما يميز بينهم ، وبطبيعة حالة الثورات أنها لا تنطلق وفق ترتيب كثيف مسبق لها بل تنشأ كردة فعل لفعل آخر كأداة رفض لذاك الفعل ومن ثم عقب ذلك تتم إعادة الصياغ وترتيب وترتتيل الأوضاع حسب الحوجة والضرورة كيف يصنع المفكرون الثوراتعند إستشراء الظلم - أي كان - سياسي ، إجتماعي ، ثقافي ، ديني ، عرقي ، جهوي ، لغوي ، يستشعر المفكرون بعظمة الدور الطليعي الملقاة على عاتقهم حيال هموم وقضايا جماهير شعبهم، وتنشأ وقتها الغريزة الفكرية في إيجاد مخرج ومخلص لشعبهم مما هم فيه ويظل هذا التفكير يتقدم إلى الأمام رويداً رويداً وينمو ويكبر لحظة إثر لحظة حتى يصل إلى ذروته ، آنئذ تشخص القضايا والهموم تشخيصاً سليماً وتوضع الحلول المرضية والسلمية السليمة لتداركها ويبدأ في ذات الأثناء الكفاح المدني ( الحوار ) كآلية وقتذاك لإنجاز الحلول محل النظر - وعندما يعجز المفكرون عن تحقيق شيء من هذا القبيل عبر هذه الآلية المتواضعة تتجه أنظارهم صوب خيارات أخرى ( جديدة ) يمكنها أن تؤدي إلى ذات النتيجة ولكنها في هذه المرة بوسائل أخرى مستوحاة من الواقع ومستلهمة في ذلك بالظلم التأريخي الذي عادة يولد الغبن وألإحتقان فالمفكرون هم الذين إكتووا بنيران الظلم أكثر من غيرهم من شرائح المجتمع الأخرى - ليس لشيء سوى أنهم مفكرين - ولأن المفكرون هم الشريحة الأكثر وعياً في مجتمعاتهم البسيطة التي غالباً ما تبحث فقط عن بدائيات مقومات الحياة من مأمن ومأكل ومشرب وملبس ومسكن ، لذلك يقع الحمل الأكبر على عاتق المفكرين والذي يفضي بدوره إلى بحثهم الدؤوب عن آلية لتخيف هذا الحمل ولن يتحقق حلم التخيف هذا إلا بالخلاص من الواقع المزري المعاش ، فتثور أفكار المفكرون وعقولهم - يتمخض عن ذلك إيجاد خيار جديد وهو ( الثورة ) بكل ما تحمله الكلمة من معنى ، وفي خضم ذلك يظل هذا الخيار هو الشغل الشاغل للمفكرون بعد نفاذ الخيارات الأخرى التي بدؤوا بها إلى أن يصل المفكرون إلى الإعلان عن ( ثــورة ) للخلاص والتغيير وتسوق هذه الفكرة في غضون أيام قلائل حتى تجدها سائرة وسط المواطنين وتصبح حديث المدينة ليلتف حولها المواطنون ويتطلعوا لنجاحها وبلوغ ما بشرتهم به من عصر الخلاص والتغيير والنهضة كيف ينجز الشجعان الثورةبعد رسم ملامح الثورة من قبل المفكرين ، يأتي دور المناضلين والذين بدورهم لا يتوانوا في أن يقدموا أرواحههم رخيصة في سبيل إنجاز المرحلة الثورية وتحقيق أهداف الثورة فضلاً عن تكبدهم المشاق ومواجهتهم للصعاب التي تعتري مسيرتهم النضالية وبذلهم للغالي والرخيص بإسهامهم الفكري والمادي والنفسي حتى تصل الثورة إلى مرحلة النضوج بعدما كانت نواة عند المفكرون فتمضي المسيرة النضالية – خطوة إثر خطوة – حتى تكتمل بنية الوعي الثورية بأسس ذات مضامين ومفاهيم تنشد تحقيق القيم التي إنطلقت من أجلها الثورة التي تتمثل في محاربة الظلم المستشري – أي كان – سياسي أو إجتماعي أو ثقافي أو إقتصادي أو عرقي أو ديني أو جهوي أو في أي شابيب من شبابيب الحياة المتنوعة والمتعددة ، غير أن المناضلون لا يعيرون إهتمام لجانب ( الإعلام السياسي ) والذي أصبح الآن هو الزاد وسلاح العصر وهنا يجد الإنتهازيون السانحة مواتية لهم في إستغلال نقطة ضعف المناضلين هذه وبذا يتمكن الإنتهازيون ( الثوريون الجدد ) من ملأ الساحة المحيطة بهم صريخاً وعويلاً وتبنياً لمواقف غيرهم من الأحداث التي تمر سراعاً وتتغيير حسبما المستجد الذي يطرأ عليها ووفق الراهن الذي تعج به الساحة السياسية وقتذاك في ذات الأثناء يظل المناضلون الشجعان غير آبهين بالإعلام مثلما قلت ويقضوا جل وقتهم في مواصلة النضال مستشعرين في ذلك بمعاناة أهلهم وشعبهم الذي يؤول عليهم كثيراً في الخلاص والتغيير للحال والواقع المزري ، ويظل هؤلاء الشجعان مهمومون حيال قضايا وهموم شعبهم ويتطلعون للوصول إلى نقطة النهاية بعد إنجاز المرحلة الثورية ويأملوا بلوغ تحقيق أمال وأشواق وتطلعات جماهير شعبهم المغوار دونما أن تكون هنالك ثمة تفكير في الإستئثار من ذلك بشيء وهكذا المناضلون الشجعان كيف يستفيد الإنتهازيون من الثورة عقب تحقيق نتائج إيجابية وطيبة على أرض الواقع مع إقتراب جني الثمرات يظهر للسطح ثوريون جدد ( إنتهازيون ) ليس إلا قادمون لتحقيق رغباتهم وأطماعهم الذاتية ومصالحهم الشخصية ومآربهم النفعية – متدثرين في ذلك بثوب ( الثورة ) والإيمان بها وببرامجها وأهدافها بغية إخفاء أجندتهم الخاصة التي جاؤوا من أجل تحقيقها ، وحينها يظهروا الحماس والجدية والإلتزام والتفاني ونكران الذات حتي يكثبوا ثقة غيرهم المناضلون الشجعان ومن ثم ليتدبروا وليتعقلوا في كيفية جلب منافعهم تلك ولا يهمهم في ذلك أدنى إهتمام بالأدب الثوري أو الأخلاقي ، بل مرتكزهم ( الغاية تبرر الوسيلة ) ضاربين بالقيم والمثل والأخلاق أرض الحائط فالإنتهازيون ( الثوريون الجدد) وفي أحايين قدامى كما ذكرت آنفاً يسعون بكل السبل – حتى وإن كانت ليست أخلاقية – لتحقيق مطامحهم الذاتية ويتحيلوا كافة الحيل – حتى ولإن تكن ليست شريفة – لدحض المفاهيم الثورية الحقة التي تعطي كل ذي حق حقه ومستحقه . فالثورة إما ( نــور ) أو ( نــار ) أولها نار فنار ثم نور ونور ، وكما يتطلع الإنتهازيون حسبما يزعموا أن يكتوي بنار الثورة أولاً المفكرون ثم يتبعهم ثانية في الإكتواء المناضلين الشجعان ثم ينعم بعدهم ( الإنتهازيون ) بنور الثورة ونورها دونما أن يقدموا شيء للثورة ومسيرتها النضالية الذي يعد بمثابة شرف لكل مناضل لا يدانيه شرف – أيما شرف – أن يقدم للثورة ماله ونفسه وروحه فداءاً للقضية التي آمن بها وثار من أجلها

ليست هناك تعليقات: