الجمعة، يونيو ١٥، ٢٠٠٧

عندما تغزوني لهفة شوقٍ ويعود يضنيني ألم الفراق

عندما تغزوني لهفة شوقٍ ويعود يضنيني ألم الفراق

الأشواق تسافر في كل الدنيا ، تحلق في الأجواء ، تقطع البحار والمحيطات ـ تجتاز المساحات ، وتلج أبواب المسافات ، حملناها في جعبتنا عندما هاجرنا الأهل والديار فهاجرنا ولا تزال تلحق بنا أشواقهم لاهثة ... لاهثة . ترحل الأشواق شرقاً وغرباً في فجاج الأرض بحثاً عن لقاء ... قد يكون على أوراق الرسائل الوردية ، أو عبر أسلاك الهاتف الجافة ، فتصلكم أشواقنا جرعات باردة يتسلمها الأهل والأحباب والأصحاب مثلجة بلا نكهة ولا طعم لها . تتجمد الأشواق في ثلاجة الغربة ، وتجف العواطف حين يعيش الحبيب والأحباء بعيداً عن الأهل والأصدقاء ، فتحول بيننا وبين لقائكم غابات من البعد ، ونأي في المزار . فليس سهلاً أن يفرقنا الزمان ، وتبعدنا الدروب ، ما أمرَّ الاغتراب ، وما أصعب البعد دون لقاء أو اجتماع ... أن الغربة تهدّ الجبال ، ويصبح الانتظار ... انتظار العودة ظمأ لارتواء خمرة الوصال . علمت من غربتي أنَّ المغتربون يبحثون عن أنفسهم في خضم الحياة ، فيتسربون خارج الوطن وقد ضاقت بهم أرضهم وأنفسهم بعزيمة مصممة على الرحيل ، مستلقية على كل الجهات والبلاد . فيغادرون الوطن والأهل طلباً لعلم ، أو سعياً وراء رزق لتحسين مستواهم الثقافي أو الاقتصادي ، أو للبحث عن استثمار ... أو كنتاج لواقع سياسي مأزوم... ، فيلفظون أنفاسهم لاهثين وراء تحقيق مآربهم التي خرجوا لأجلها في ضغوط نفسية متراكمة تتحجر معها المشاعر التي لا تجد لها مكاناً في صدروهم أو قد يظلون على العهد ممسكون بجمر القضية التي هاجروا من أجلها . فيصبح هؤلاء في انقطاعهم عن الأهل والوطن كمن يجلس على كثيب رملي في أطراف الصحراء . ومع هذا فإن حرارة الأشواق ترتفع كلما انقطع اللقاء ، يتسرب الشوق من داخل الأوطان فيدعوهم ، وتهدأ حرارته منذ يبدأ المغتربون التخطيط للزيارة المرتقبة أو العودة إلى حضن الوطن. ولو كانت الزيارة " كل سنة مرة " . أنا أحب التواصل ـ أياً كان ـ لأنه يهيء لنا لقاءات عاطفية مشبعة بالحب ... لقاءات ساخنة بين من إغتربنا والمنتظرين كلقاء الطبيعة بقدوم الربيع الضاحك . تعود الأشواق مع موكب الذكرى الحالمة التي أهفوا إليها كلما أضناني الحنين ، وتفتح البيوت أبوابها ، وتزغرد على النوافذ ورود الانتظار المتفجر بلقاء حميم . إن العودة إلى الوطن ، إلى رحابة الأهل ومتعة اللقاء تسعد أمزجتنا بعد أن علق بها التشاؤم والضجر والشوق وسأم الانتظار، ولكن!!، وحين يلتقي الأحباب حاملين معهم أشواقهم فإنهم يبددون الضباب الذي خيم على النفس في متاهة الغربة ، وكآبة الوحدة ، وآهات الفراق ، وعزلة القلوب . عندما تعود الأشواق مع الحنين تشيع السعادة في نفوسنا ، ويذوب الجليد عن مشاعرنا وعلاقاتنا بمن نحبهم وقد هجرناهم إلى حين ... تواصل ووصال ... نبض حنين يتسرب إلى خلايا الروح عن وعي لعلاقة . تربط من يغترب بوطنه وأمته وأهله ، وليست عودته انتماءً سياحياً للوطن . في يومٍ ما قد اعو إلى الأم الرؤوم الوطن، وقد تكون عودتي كفراشات الفرح متشوق لا سائح ، لأن لي فيه أحلاماً وذكريات وأماني ، لي في الوطن ألف معنى يربطني بتربة الجدود ، ورائحة الأرض ، ونسائمه المضمخة بعبق الرياحين وشذا الياسمين. فقد أعود وقد مللت النظر والحياة في مدينة صاخبة جرداء ، تضج بالمادة يغفو فيها الحب وتصطخب بالأنانية ولربما أعود وأنا أحمل قلبي السخي بالحنين ، لأني أدرك أن لا حياة للمرء إن لم يكن بين أهله ومحبيه. وأنَّ الشوق لا يعرفه إلا من يكابده ويعانيه.هناك في أرض الوطن جحافل ممَّن جربوا الغربة واقوا مرارتها ، عادوا محملين بالشوق ولربما آخرون يتأهبون للهجرة من جديد ، ولكن لا تدعوهم يلملمون الأشواق ويحزمونها في حقائبهم بل إحتفظوا بها ريثما يعودون.فارقتكم بغصة الفراق ولكن إلى لقاء قريب ، وقلت لكم سأرحل وقلبي متبول ، ودموعي حروف حزن راعش منذ لحظة الوداع. فارقتكم وأنتم ترددون زفرة الشوق والحب والحنين: " إنما أريد وطناً لأموت من أجله أو لأحيا به ". فلا أملك إلا أن أردد بكلمات بعد من تغنوا:
يا طير يا ماشي لأهلنا ** أسرع وصل رسائلنا

ليست هناك تعليقات: